للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أنَّ من كان معتنيًا بها قائلًا بها كانت إليه أسرعَ من السَّيل إلى منحدَره، وتفتَّحت له أبوابُ الوساوس فيما يسمعُه ويراه ويُعطاه، ويفتحُ له الشيطانُ فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يُفسِدُ عليه دينَه وينكِّدُ عليه عيشَه.

فإذا سمع: «سفرجلًا» أو أهديَ إليه تطيَّر به، وقال: سفرٌ وجلاء، وإذا رأى «ياسمينًا» أو سمع اسمَه تطيَّر به، وقال: يأسٌ ومَيْن (١)، وإذا رأى «سَوْسَنةً» أو سمعها قال: سوءٌ يبقى سنَةً (٢)، وإذا خرج من داره فاستقبلَه أعورُ أو أشلُّ أو أعمى أو صاحبُ آفةٍ تطيَّر به وتشاءم بيومه.

ويحكى عن بعض الولاة أنه خرج في بعض الأيام لبعض مهمَّاته، فاستقبله رجلٌ أعور، فتطيَّر به، وأمرَ به إلى الحبس، فلمَّا رجع من مهمَّته ولم يَلْقَ شرًّا أمرَ بإطلاقه، فقال له: سألتُك بالله ما كان جُرْمي الذي حبستني لأجله؟ فقال له الوالي: لم يكن لك عندنا جُرم، ولكن تطيَّرتُ بك لما رأيتُك، فقال: فما أصبتَ في يومك برؤيتي؟ فقال: لم ألقَ إلا خيرًا، فقال: أيها الأمير، أنا خرجتُ من منزلي فرأيتُك فلقيتُ في يومي الشرَّ والحبس، وأنت رأيتني فلقيتَ في يومك الخيرَ والسُّرور، فمن الأشأمُ منَّا؟! والطِّيَرة بمن (٣) كانت؟! فاستحيا منه الوالي ووصَله (٤).


(١) المَيْن: الكذب.
(٢) انظر: «الموشى» (٢٦٢ - ٢٦٤)، و «تعبير الرؤيا» لابن قتيبة (٣٥).
(٣) (ت، ص): «ممن».
(٤) انظر: «التذكرة الحمدونية» (٧/ ٣٨)، و «نثر الدر» (٧/ ٢٥٧)، و «جمع الجواهر» (٢٢١)، و «محاضرات الأدباء» (١/ ٣٠٣).