للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكفيك من ذلك قصةُ النابغة (١) مع زبَّان (٢) بن سيَّار الفزاري حين تجهَّزَ إلى الغزو، فلما أراد الرحيلَ نظر النابغةُ إلى جرادةٍ قد سقطت عليه، فقال: جرادةٌ تَجْرُد، وذاتُ ألوان! غيري (٣) مَن خرجَ من هذا الوجه. ونَفَذَ زبَّانُ لوجهه ولم يتطيَّر. فلمَّا رجع من غزوه سالمًا غانمًا أنشأ يقول:

تَخَبَّر (٤) طيرَه فيها زيادٌ ... لِتُخْبِرَه وما فيها خبيرُ

أقامَ كأنَّ لقمانَ بن عادٍ ... أشارَ له بحكمته مشيرُ

تعلَّمْ أنه لا طيرَ إلا ... على متطيِّرٍ وهو الثُّبورُ

بلى شيءٌ يوافِقُ بعضَ شيءٍ ... أحايينًا وباطلُه كثيرُ (٥)

ولم يَحْكِ اللهُ التطيُّر إلا عن أعداء الرسل، كما قالوا لرسلهم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس: ١٨ - ١٩].

وكذلك حكى الله سبحانه عن قوم فرعون، فقال: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ


(١) نابغة بني ذبيان. واسمه زياد بن معاوية. انظر: «طبقات فحول الشعراء» (٥٦)، و «جمهرة أنساب العرب» (٢٥٣).
(٢) (ق): «زياد». وهو تحريف.
(٣) مهملة في الأصول.
(٤) مهملة في (د). وفي (ت، ص): «تحير». وهو تحريف.
(٥) الأبيات والقصة في «الحيوان» (٣/ ٤٤٧، ٥/ ٥٥٥)، و «العمدة» (١٠٣٣)، و «الصاهل والشاحج» (٢٧٢)، وغيرها.