للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فألكَ مِن فيك» (١)، ونظيره قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم» (٢).

فعلى هذا، معنى: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي: نصيبُكم طِيَرتُكم التي تطيَّرتم بها؛ لأنهم اعتقدوا الشُّؤمَ فيما لا شؤمَ فيه البتة، فقيل لهم: الشُّؤمُ منكم، وهو نازلٌ بكم. فتأمَّله.

وهذا يُشْبِهُ قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: ٤٦]، قيل: جزاءُ مكرهم عنده، فمَكَرَ بهم كما مكروا برسله، ومكرُه تعالى بهم إنما كان بسبب مكرهم، فهو مكرُهم عاد عليهم، وكيدُهم عاد عليهم، فهكذا طِيَرتُهم عادت عليهم وحَلَّتْ بهم. وسُمِّي جزاءُ المكر: مكرًا، وجزاءُ الكيد: كيدًا؛ تنبيهًا على أنَّ الجزاء من جنس العمل.

ولمَّا ذكر سبحانه أنَّ ما أصابهم من حسنةٍ وسيئة ــ أي نعمةٍ ومحنة ــ فالكلُّ منه تعالى بقضائه وقدره، فكأنهم قالوا: فما بالك أنتَ تصيبك الحسناتُ والسِّيئاتُ كما تصيبنا؟ فذكر سبحانه أنَّ ما أصابه من حسنةٍ فمن الله مَنَّ بها عليه، وأنعَم بها عليه، وما أصابه من سيئةٍ فمن نفسه، أي: بسببه ومِن قِبَله، أي: لا لنقصِ ما جاء به، ولا لشرٍّ فيه، ولا لشؤمٍ يقتضي أن تصيبه السيئة، بل بسببٍ من نفسِه ومِن قِبَلَه.


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٣٨٨)، وأبو داود (٣٩١٧)، وغيرهما من حديث أبي هريرة بإسنادٍ فيه راوٍ لم يسمَّ. وورد التصريح به، وهو ثقة، عند أبي الشيخ في «أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -» (٧٨٦، ٧٨٧، ٧٨٨). وانظر: «السلسلة الصحيحة» (٧٢٦).
(٢) أخرجه البخاري (٦٢٥٨)، ومسلم (٢١٦٣) من حديث أنس بن مالك.