للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنار مخلوقتان، وأنه لم ينازع في ذلك إلا بعضُ أهل البدع والضلال، واستدلالُكم على وجود الجنة الآن= فحقٌّ لا ننازعُكم فيه، وعندنا من الأدلَّة على وجودها أضعافُ ما ذكرتم، ولكن أيُّ تلازمٍ بين أن تكون جنةُ الخُلد مخلوقةً وبين أن تكون هي جنة آدم بعينها؟!

فكأنكم تزعمون أنَّ كلَّ من قال: إنَّ جنةَ آدم هي جنةٌ في الأرض، فلا بدَّ له أن يقول: إنَّ الجنةَ والنار لم يُخْلَقا بعد. وهذا غلطٌ منكم، منشؤه من توهُّمكم أنَّ كلَّ من قال بأنَّ الجنة لم تُخْلَق بعد فإنه يقول: إنَّ جنةَ آدم هي في الأرض، وكذلك بالعكس، أنَّ كلَّ من قال: إنَّ جنة آدم في الأرض فيقول: إنَّ الجنة لم تُخْلَق بعد (١).

فأما الأولُ فلا ريب فيه، وأما الثاني فوهمٌ، لا تلازم بينهما، لا في المذهب ولا في الدليل بحال؛ فأنتم نَصَبتم دليلَكم مع طائفةٍ نحن وأنتم متفقون على إنكار قولهم وردِّه وإبطاله، ولكن لا يلزمُ من هذا بطلانُ هذا القول الثالث. وهذا واضح.

قالوا: وأمَّا قولُكم: إنَّ جميع ما نفاه الله سبحانه عن الجنة من اللَّغو والكذب وسائر الآفات التي وُجِدَ بعضُها من إبليس عدوِّ الله، فهذا إنما يكونُ بعد القيامة إذا دخلها المؤمنون، كما يدلُّ عليه السِّياق.

فجوابه من وجهين:

أحدهما: أنَّ ظاهر الخبر يقتضي نفيه مطلقًا؛ لقوله تعالى (٢): {لَا لَغْوٌ


(١) "بعد" ليست في (ح، ن).
(٢) (ق): "كقوله تعالى". في الموضعين.