للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعلوم منه وهو في محلِّ خلافته التي خُلِقَ لها وتوهَّمت الملائكة أنه لا يحصلُ منه هناك إلا ضدُّها من الفساد وسفك الدِّماء. وهذا واضحٌ لمن تأمَّله.

وأمَّا اسمُ الفاعل وهو {جَاعِلٌ} وإن كان بمعنى الاستقبال، فلأنَّ هذا إخبارٌ عمَّا سيفعلُه الربُّ تعالى في المستقبل مِنْ جَعْلِه الخليفة في الأرض، وقد (١) صدقَ وعدَه، ووقع ما أخبر به، وهذا ظاهرٌ في أنه من أوَّل الأمر جعله خليفةً في الأرض.

وأمَّا جعلُه في السماء أوَّلًا ثم جعلُه خليفةً في الأرض ثانيًا، وإن كان مما لا ينافي الاستخلافَ المذكور، فهو مما لا يقتضيه اللفظُ بوجه، بل يقتضي ظاهرُه خلافَه، فلا يصارُ إليه إلا بدليلٍ يُوجِبُ المصيرَ إليه؛ وحوله ندندن.

قالوا: وأيضًا؛ فمن المعلوم الذي لا يخالفُ فيه مسلمٌ أنَّ الله سبحانه خلقَ آدمَ من تراب، وهو ترابُ هذه الأرض بلا ريب.

كما روى الترمذيُّ في "جامعه" (٢) من حديث عوف، عن قَسَامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله تبارك وتعالى خلقَ آدمَ من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدْرِ الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهْل والحَزْن، والخبيث والطَّيب". قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح". وقد رواه الإمام أحمد في "مسنده" من طرقٍ عدَّة.


(١) (ح، ن): "وبه".
(٢) (٢٩٥٥)، وأبو داود (٤٦٩٣)، وأحمد (٤/ ٤٠٠)، وغيرهم.
وصححه ابن حبان (٦١٦٠، ٦١٨١)، والحاكم (٢/ ٢٦١ ـ ٢٦٢) ولم يتعقبه الذهبي.