للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجزاء، فيلزمُ من وجوده وجودُ الجزاء؛ لأنَّ الجزاءَ لازمُه، ووجودُ الملزوم يستلزمُ وجودَ اللازم، ولا يلزمُ من عدمه عدمُ الجزاء.

وإن وقعَ هذا الشرطُ بين علَّةٍ ومعلول؛ فإن كان الحكمُ معلَّلًا بعللٍ صحَّ ذلك، وجاز أن يكون الجزاءُ أعمَّ من الشرط، كقولك: إن كان هذا مرتدًّا فهو حلالُ الدَّم؛ فإنَّ حِلَّ الدَّم أعمُّ من حِلِّه بالردَّة، إلا أن يقال: «إنَّ حكمَ العلَّة المعيَّنة ينتفي بانتفائها، وإن ثبتَ الحكمُ بعلَّةٍ أخرى فهو حكمٌ آخر، وأمَّا حكمُ العلَّة المعيَّنة فمحالٌ أن يبقى (١) مع زوالها»، وحينئذٍ فيعودُ التلازمُ من الطرفين، ويلزمُ من وجود كلِّ واحدٍ من الشرط والجزاء وجودُ الآخر، ومن عدمه عدمُه.

وتمامُ تحقيق هذا في مسألة تعليل الحكم الواحد بعلَّتين؛ وللناس فيه نزاعٌ مشهور، وفصلُ الخطاب فيها: أنَّ الحكمَ الواحدَ إن كان واحدًا بالنَّوع، كحِلِّ الدَّم، وثبوتِ الملك، ونقض الطَّهارة؛ جاز تعليلُه بالعلل المختلفة. وإن كان واحدًا بالعَيْن، كحِلِّ الدَّم بالردَّة، وثبوت الملك بالبيع أو الميراث، ونحو ذلك؛ لم يجُز تعليلُه بعلَّتين مختلفتين. وبهذا التفصيل يزولُ الاشتباه في هذه المسألة، والله أعلم.

ومن تأمَّل أدلَّة الطَّائفتين وجدَ كلَّ ما احتجَّ به من رأى تعليلَ الحكم بعللٍ مختلفةٍ إنما يدلُّ على تعليل الواحد بالنَّوع بها، وكلُّ من نفى تعليلَ الحكم بعلَّتين إنما يتمُّ دليلُه على نفي تعليل الواحد بالعَيْن بهما؛ فالقولان عند التحقيق يرجعان إلى شيءٍ واحد (٢).


(١) (ت): «تبقى». وفي (ق): «ينفي»، وهو تحريف.
(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ١٦٧)، و «جامع المسائل» (٦/ ٩٠).