للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلم ومرتبته؛ فإنَّ الحاكمَ في هذه المسألة هو العلم، فبه (١) وإليه وعنده يقعُ التحاكم والتخاصم، والمُفَضَّلُ منهما من حَكَمَ له بالفضل.

فإن قيل: فكيف يُقْبَلُ حكمُه لنفسه؟!

قيل: وهذا أيضًا دليلٌ على تفضيله وعلوِّ مرتبته وشرفه؛ فإنَّ الحاكمَ إنما لم يَسُغْ أن يحكمَ لنفسه لأجل مَظِنَّة التُّهمة، والعلمُ لا تلحقُه تهمةٌ في حكمه لنفسه؛ فإنه إذا حكمَ حكمَ بما تشهدُ العقولُ والفِطر (٢) بصحَّته، وتتلقَّاه بالقبول.

ويستحيلُ حكمُه لتهمة؛ فإنه إذا حَكمَ بها انعزل عن مرتبته، وانحطَّ عن درجته، فهو الشاهدُ المُزكَّى المُعَدَّل، والحاكمُ الذي لا يجورُ ولا يُعْزَل.

فإن قيل: فماذا حكمُه في هذه المسألة التي ذكرتموها؟

قيل: هذه المسألةُ كثُر فيها الجدال، واتسع المجال، وأدلى كلٌّ منهما بحجَّته، واستعلى بمرتبته، والذي يفصلُ النزاع، ويعيدُ المسألة إلى مواقع الإجماع: الكلامُ في أنواع مراتب الكمال، وذِكْرُ الأفضل منها، والنظرُ في أيِّ هذين الأمرين أولى به وأقرب إليه؛ فهذه الأصولُ الثلاثةُ تبيِّن الصواب، ويقعُ بها فصلُ الخطاب.


(١) (ق، ت، ن): «فيه»، بالياء آخر الحروف.
(٢) (ت، ق): «والنظر».