للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبدَ محتاجٌ إلى معرفة الحقِّ الذي يرضي اللهَ في كلِّ حركةٍ ظاهرةٍ وباطنة، فإذا عرفها فهو محتاجٌ إلى من يُلْهِمُه قصدَ الحقِّ فيجعلُ إرادتَه في قلبه، ثمَّ إلى من يُقْدِرُه على فعله.

ومعلومٌ أنَّ ما يجهلُه العبدُ أضعافُ أضعاف ما يعلمُه، وأنَّ كلَّ ما يعلمُه أنه حقٌّ لا تطاوعُه نفسُه على إرادته، ولو أراده (١) لعجز عن كثيرٍ منه؛ فهو مضطرٌّ كلَّ وقتٍ إلى هدايةٍ تتعلَّقُ بالماضي وبالحال وبالمستقبل.

أما الماضي، فهو محتاجٌ إلى محاسبة نفسه عليه، وهل وقع على السَّداد فيشكر الله عليه ويستديمُه، أم خرج فيه عن الحقِّ فيتوبَ إلى الله تعالى منه ويستغفره، ويعزمَ على أن لا يعود؟

وأما الهدايةُ في الحال، فهي مطلوبةٌ منه (٢)؛ فإنه ابنُ وقته، فيحتاجُ أن يعلمَ حكمَ ما هو متلبِّسٌ به من الأفعال، هل هو صوابٌ أم خطأ؟

وأما المستقبل، فحاجتُه فيه إلى الهداية أظهر؛ ليكونَ سيرُه على الطريق.

وإذا كان هذا شأن الهداية عُلِمَ أنَّ العبدَ أشدُّ شيءٍ اضطرارًا إليها، وأنَّ ما يوردُه بعض الناس من السؤال الفاسد، وهو أنَّا إذا كنَّا مهتدين فأيُّ حاجةٍ بنا أن نسأل الله أن يهدينا؟! وهل هذا إلا تحصيلُ الحاصل؟! = أفسدُ سؤالٍ وأبعدُه عن الصواب، وهو دليلٌ على أنَّ صاحبه لم يحصِّل معنى الهداية، ولا أحاط علمًا بحقيقتها ومسمَّاها؛ فلذلك تكلَّفَ من تكلَّفَ الجوابَ عنه بأنَّ


(١) (ح): «ولولا إرادته». تحريف. (ن): «ولو أرادته».
(٢) (ن، ح): «المطلوبة منه».