للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينهما إلا بالعلم، ولا بُعِثَت الرسلُ وأُنزِلت الكتبُ إلا بالعلم، ولا عبد اللهُ وَوُحِّدَ (١) وحُمِدَ وأُثنِيَ عليه ومُجِّدَ إلا بالعلم، ولا عُرِفَ الحلالُ من الحرام إلا بالعلم، ولا عُرِفَ فضلُ الإسلام على غيره إلا بالعلم.

واختُلِفَ هنا في مسألة؛ وهي أنَّ العلمَ صفةٌ فعليةٌ أو انفعالية؟ (٢)

فقالت طائفة: هو صفةٌ فعلية؛ لأنه شرطٌ أو جزءُ سببٍ في وجود المفعول؛ فإنَّ الفعلَ الاختياريَّ يستدعي حياةَ الفاعل وعلمه وقدرته وإرادته، ولا يُتَصَوَّرُ وجودُه بدون هذه الصِّفات.

وقالت طائفة: هو انفعالي؛ فإنه تابعٌ للمعلوم، متعلِّقٌ به على ما هو عليه؛ فإنَّ العالِمَ يدركُ المعلومَ على ما هو به، فإدراكُه تابعٌ له، فكيف يكونُ (٣) متقدِّمًا عليه؟!

والصوابُ أنَّ العلمَ قسمان:

* علمٌ فعليٌّ، وهو علمُ الفاعل المختار بما يريدُ أن يفعلَه، فإنه موقوفٌ على إرادته الموقوفة على تصوُّره المرادَ وعلمه به. فهذا علمٌ قبل الفعل، متقدِّمٌ عليه، مؤثِّرٌ فيه.

* وعلمٌ انفعاليٌّ، وهو العلمُ التابعُ للمعلوم، الذي لا تأثيرَ له فيه؛ كعلمنا بوجود الأنبياء والأمم والملوك وسائر الموجودات؛ فإنَّ هذا العلمَ لا


(١) (ت، د، ق): «عبد الله وحده».
(٢) انظر: «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ١٨٣)، و «الهوامل والشوامل» (١٣٧)، و «الكليات» (٦١٦).
(٣) (د، ت، ق): «فيكون».