للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الزجاج: «أعلَمَ اللهُ عز وجل أنه لا جهةَ لهدايتهم؛ لأنهم قد استحقُّوا أن يَضِلُّوا بكفرهم؛ لأنهم كفروا بعد البينات» (١).

ومعنى (كيف يهديهم) (٢) أي: أنه لا يهديهم؛ لأنَّ القومَ عرفوا الحقَّ، وشهدوا به وتيقَّنوه، وكفروا عمدًا، فمن أين تأتيهم الهداية؟! فإنَّ الذي ترتجى هدايتُه من كان ضالًّا ولا يدري أنه ضالٌّ، بل يظنُّ أنه على هدى، فإذا عرفَ الهدى اهتدى، وأما من عرفَ الحقَّ وتيقَّنه وشهدَ به قلبُه ثمَّ اختار الكفرَ والضلال عليه، فكيف يهدي اللهُ مثل هذا؟!

وقال تعالى عن اليهود: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}، ثمَّ قال: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [البقرة: ٨٩، ٩٠]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لم يكن كفرُهم شكًّا ولا اشتباهًا، ولكن بغيًا منهم، حيث صارت النبوَّةُ في ولد إسماعيل» (٣).

ثمَّ قال بعد ذلك: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ


(١) «معاني القرآن» (١/ ٤٣٩).
(٢) كذا في الأصول، ونصُّ الآية: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا} [آل عمران: ٨٦]، أراد التفسير لا التلاوة، وهو سائغ، وعليه عمل أهل العلم، فلذلك لم أغيِّره.
(٣) «الوسيط» للواحدي (١/ ١٧٣). وبمعناه مختصرًا أخرجه الطبري (٢/ ٣٣٤).