ومنه قولُه تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: ١٧٤ - ١٧٥]، قيل: المعنى: أبصِرْهم وما يقضى عليهم من الأسر والقتل والعذاب في الآخرة، فسوف يُبْصِرُونك وما يقضى لك من النصر والتأييد وحسن العاقبة. والمراد: تقريبُ المُبْصَرِ من المخاطَب حتى كأنه نصبَ عينيه ورأي ناظرَيْه.
والمقصودُ أنَّ الآية أوجبت لهم البصيرة، فآثروا الضلالَ والكفرَ عن علمٍ ويقين، ولهذا ــ والله أعلم ــ ذكر قصَّتهم من بين قصص سائر الأمم في سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ لأنه ذكر فيها انقسامَ النفوس إلى الزكيَّة الراشدة المهتدية، وإلى الفاجرة الضَّالَّة الغاوية، وذكر فيها الأصلين: القَدَر والشرع؛ فقال:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فهذا قدرُه وقضاؤه، ثمَّ قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} فهذا أمرُه ودينُه. وثمودُ هداهم، فاستحبُّوا العمى على الهدى، فذَكَر قصَّتَهم ليبيِّن سوء عاقبة من آثر الفجورَ على التقوى، والتَّدْسِيَة على التزكية، والله أعلم بما أراد.
قالوا: ويكفي في هذا إخبارُه تعالى عن الكفار أنهم يقولون بعد ما عاينوا العذاب، ووَرَدُوا القيامة، ورأوا ما أخبرت به الرسل: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٧ - ٢٨]، فأيُّ علمٍ أبينُ من علم من وَرَدَ القيامةَ ورأى ما فيها، وذاق عذابَ الآخرة، ثمَّ لو رُدَّ إلى الدنيا لاختار الضلالَ على الهدى، ولم ينفعه ما قد عاينه ورآه؟! وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ