للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله تعالى تارةً ينفي عن هؤلاء العقلَ والسمعَ والبصر ــ فإنها مداركُ العلم وأسبابُ حصوله ــ، وتارةً ينفي عنهم السمعَ والعقل، وتارةً ينفي عنهم السمعَ والبصر، وتارةً ينفي عنهم العقلَ والبصر، وتارةً ينفي عنهم العقلَ وحده، وتارةً ينفي عنهم السمعَ وحده (١).

فنفيُ الثلاثة نفيٌ لمدارك العلم بطريق المطابقة، ونفيُ بعضها نفيٌ له بالمطابقة وللآخر باللُّزوم؛ فإنَّ القلبَ إذا فسدَ فسدَ السمعُ والبصر، بل أصلُ فسادهما مِنْ فساده، وإذا فسدَ السمعُ والبصرُ فسدَ القلب، فإذا أعرض عن سَمْع الحقِّ وأبغض قائلَه بحيث لا يحبُّ رؤيتَه امتنع وصولُ الهدى إلى القلب، ففسَد، وإذا فسدَ السمعُ والعقلُ تبعهما فسادُ البصر، فكلُّ مُدْرَكٍ (٢) من هذه يصحُّ بصحَّة الآخر، ويفسدُ بفساده؛ فلهذا يجيء في القرآن نفيُ ذلك صريحًا ولزومًا.

وبهذا التفصيل يُعْلَمُ اتفاقُ الأدلَّة من الجانبين.

وفي استدلال الطائفة الثانية بقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} ونظائرها نظر؛ فإنَّ الله تعالى حيث قال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} لم يكونوا إلا ممدوحين مؤمنين، وإذا أرادَ ذمَّهم والإخبارَ عنهم بالعناد وإيثار الضلال أتى بلفظ: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مبنيًّا للمفعول (٣).

* فالأول، كقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢)


(١) اضطربت الأصول في ذكر التارات، والمثبت من (د).
(٢) بضمِّ الميم. انظر تحرير ذلك في «المصباح المنير» (درك).
(٣) (ح): «للمجهول». وانظر لهذا المعنى: «بدائع الفوائد» (٧٢٥).