فلمَّا كان القلبُ وعاءً، والأذنُ مدخلَ ذلك الوعاء وبابَه، كان حصولُ العلم موقوفًا على حسن الاستماع وعَقْلِ القلب.
والعقل: هو ضبطُ ما وصلَ إلى القلب وإمساكُه حتى لا يتفلَّت منه. ومنه: عَقْلُ البعير والدابَّة، والعِقالُ لما يُعْقَلُ به، وعقلُ الإنسان سُمِّي عقلًا لأنه يَعْقِلُه عن اتباع الغَيِّ والهلاك، ولهذا يسمَّى: حِجْرًا، لأنه يمنعُ صاحبَه كما يمنعُ الحِجْرُ ما حواه.
فعقلُ الشيء أخصُّ من علمه ومعرفته؛ لأنَّ صاحبَه يعقلُ ما عَلِمَه فلا يَدعُه يذهب، كما يَعْقِلُ الدابَّةَ التي يخافُ شُرودَها.
وللإدراك مراتبُ بعضها أقوى من بعض؛ فأوَّلها: الشُّعور، ثمَّ الفهم، ثمَّ المعرفة، ثمَّ العلم، ثمَّ العقل، ومرادُنا هنا بالعقل: المصدرُ، لا القوَّةُ الغريزيَّةُ التي ركَّبها الله في الإنسان.
فخيرُ القلوب ما كان واعيًا للخير ضابطًا له، وليس كالقلب القاسي الذي لا يقبلُه، فهذا قلبٌ حَجَريٌّ، ولا كالمائع الأخرق الذي يقبلُ ولكن لا يحفظُ ولا يضبط. فتفهيمُ الأول كالرَّسم في الحَجَر، وتفهيمُ الثاني كالرَّسم على الماء. بل خيرُ القلوب ما كان ليِّنًا صلبًا؛ يقبلُ بلِينه ما ينطبعُ فيه، ويحفظُ صورتَه بصلابته، فهذا تفهيمُه كالرَّسم في الشَّمْع وشبهه.