للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأمرٍ خارجيٍّ عن حقيقة الإنسان، لو ذهبَ في ليلةٍ أصبح فقيرًا مُعْدِمًا، وغِنى العلم لا يُخشى عليه الفقر، بل هو في زيادةٍ أبدًا، فهو الغِنى العالي (١) حقيقة؛ كما قيل:

غَنِيتُ بلا مالٍ عن الناس كلِّهم ... وإنَّ الغِنى العالي عن الشَّيء لا به (٢)

الثاني عشر: أنَّ المال يَسْتَعْبِدُ مُحِبَّه وصاحبه، فيجعلُه عبدًا له، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَعِسَ عبد الدينار والدرهم ... » الحديث (٣)، والعلمُ يَسْتَعْبِدُه لربِّه وخالقه، فهو لا يدعوه إلا إلى عبوديَّة الله وحده.

الثالث عشر: أنَّ حبَّ العلم وطلبَه أصلُ كلِّ طاعة، وحبَّ الدنيا والمال وطلبه أصلُ كلِّ سيئة (٤).

الرابع عشر: أنَّ قيمةَ الغنيِّ مالُه، وقيمةَ العالِم علمُه، فهذا متقوِّمٌ بماله، فإذا عُدِمَ مالُه عُدِمَت قيمتُه فبقي بلا قيمة، والعالِمُ لا تزولُ قيمتُه، بل هي في تضاعفٍ وزيادةٍ دائمًا.

الخامس عشر: أنَّ جوهرَ المال من جنس جوهر البدن، وجوهرُ العلم من جنس جوهر الروح، كما قال يونس بن حبيب: «علمُك من روحك،


(١) انظر: «طريق الهجرتين» (٦٥، ٦٧).
(٢) مِن أبياتٍ تنسبُ للشافعي في «المستطرف» (٢/ ٣٠٣)، و «غذاء الألباب» (٢/ ٥٤٣)، وعنهما في ديوانه المجموع (١٣١). والبيتُ في «ربيع الأبرار» (٤/ ٣٨٣) منسوبٌ للقُهِسْتاني.
(٣) أخرجه البخاري (٢٨٨٦) من حديث أبي هريرة.
(٤) (ح، ن): «خطيئة».