للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالغنيِّ إذا أعطى الفقيرَ رأسَ مالٍ (١) يتَّجِرُ به حتى يصير غنيًّا مثلَه.

الوجه الثالث والثلاثون: أنَّ جمعَ المال مقرونٌ بثلاثة أنواعٍ من الآفات والمِحَن: نوعٌ قبله، ونوعٌ عند حصوله، ونوعٌ بعد مفارقته.

* فأما النوعُ الأول: فهو المشاقُّ والأنكادُ والآلامُ التي لا يحصلُ إلا بها.

* وأما النوعُ الثاني: فمشقَّةُ حفظه وحراسته وتعلُّق القلب به، فلا يُصْبِحُ إلا مهمومًا، ولا يمسي إلا مغمومًا.

فهو بمنزلة عاشقٍ مُفْرِط المحبَّة قد ظَفِر بمعشوقه، والعيونُ من كلِّ جانبٍ ترمقُه، والألسنُ والقلوبُ ترشقُه، فأيُّ عَيْشٍ وأيُّ لذَّةٍ لمن هذه حالُه؟! وقد عَلِمَ أنَّ أعداءه وحسَّادَه لا يفتُرون عن سعيهم في التفريق بينه وبين معشوقه وإن لم يظفروا هم به، ولكنَّ مقصودَهم أن يزيلوا اختصاصَه به دونهم، فإن فازوا به وإلا استووا في الحرمان، فزال الاختصاصُ المُؤْلِمُ للنفوس.

ولو قدروا على مثل ذلك مع العالِم لفعلوه، ولكنَّهم لما علموا أنه لا سبيل إلى سَلْبِه علمَه (٢) عمدوا إلى جحده وإنكاره؛ ليزيلوا من القلوب محبَّته وتقديمَه والثناءَ عليه، فإن بَهَرَ علمُه وامتنع عن مكابرة الجحود والإنكار رَمَوه بالعظائم، ونسبوه إلى كلِّ قبيح؛ ليزيلوا من القلوب محبَّته ويُسْكِنوا موضعَها النُّفرة عنه وبغضَه. وهذا شغلُ السَّحرة بعينه؛ فهؤلاء سحرةٌ بألسنتهم.


(١) (ح): «رأس ماله». وهو تحريف.
(٢) (ق): «إلى سلبه». (ح): «إلى سلب علمه». (ت): «إلى سلبه وعلمه».