للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخبيث المؤذي، وجدَ لذَّةً عظيمةً عند دفعه وإرساله (١)، ولا لذَّةَ هناك إلا راحتُه من حمل ما يؤذيه حملُه.

فعُلِمَ أنَّ هذه اللذَّات إمَّا أن تكونَ دفع آلام، وإمَّا أن تكون لذَّاتٍ ضعيفةً خسيسةً مقترنةً بآفاتٍ تُرْبي مضرتُها عليها (٢).

وهذا كما يَعْقُبُ لذَّةَ الوِقاع من ضعف القلب، وخَفَقان الفؤاد، وضعف القُوى البدنيَّة والقلبيَّة، وضعف الأرواح، واستيلاء العفونة على كلِّ البدن، وإسراع الضعف والخَوَر إليه، واستيلاء الأخلاط عليه لضعف القوَّة عن دفعها وقهرها.

ومما يدلُّ على أنَّ هذه اللذَّات ليست خيراتٍ وسعاداتٍ وكمالًا: أنَّ العقلاء من جميع الأمم مطبقونَ على ذمِّ من كانت نَهْمَتَه وشغلَه ومَصْرِفَ همَّته وإرادته، والإزارء به، وتحقير شأنه، وإلحاقه بالبهائم، ولا يقيمون له وزنًا، ولو كانت خيراتٍ وكمالًا لكان من صرَفَ إليها همَّتَه أكملَ الناس.

وممَّا يدلُّ على ذلك: أن القلبَ الذي قد وَجَّهَ قصدَه وإرادته إلى هذه اللذَّات لا يزالُ مستغرقًا في الهموم والغموم والأحزان، وما ينالُه من اللذَّات في جنب هذه الآلام كقطرةٍ في بحر، كما قيل:

سُرورُه وَزْنُ حَبَّهْ وحُزْنُه قِنْطار (٣)


(١) بل قال ابنُ حزمٍ في «المحلى» (٢/ ٦): «اللذةُ في خروج البول والغائط والريح أشدُّ عند الحاجة إلى خروجها منها في خروج المني»! وذكر الرازي في «السر المكتوم» (ص: ٣) أن لذة إخراج الطعام أعظمُ من لذة اجتلابه!
(٢) (ت، ق): «ترى مضرتها عليها».
(٣) لم أره في مصدرٍ آخر. وهو من «كان وكان».