للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونه.

وهذه حالُ كثيرٍ ممن يحصُل له علم؛ فإنه يستغني به ويستظهرُ به ويحكِّمُه ويجعلُ كتابَ الله تبعًا له، يقال: اسْتَظْهَر فلانٌ على كذا بكذا، أي: ظَهَرَ عليه به، وتقدَّم فجعله وراءَ ظهره.

وليست هذه حال العلماء؛ فإنَّ العالِمَ حقًّا يستظهرُ بكتاب الله على كلِّ ما سِواه، فيقدِّمه ويحكِّمُه، ويجعلُه إمامه، ويجعلُه عِيارًا على غيره مهيمنًا عليه، كما جعله الله تعالى كذلك.

فالمُسْتَظْهِرُ به موفَّقٌ سعيد، والمُسْتَظْهِرُ عليه مخذولٌ شقيٌّ، فمن اسْتَظْهَر على الشيء فقد جعله خلفَ ظهره مقدِّمًا عليه ما اسْتَظْهَرَ به، وهذا حالُ من اشتغل بغير كتاب الله عنه، واكتفى بغيره منه، وقدَّم غيره وأخَّره.

الصنف الثاني من حملة العلم: المنقادُ له، الذي لم يَثْلُجْ له صدرُه، ولم يطمئنَّ به قلبُه، بل هو ضعيفُ البصيرة فيه، لكنه منقادٌ لأهله.

وهذه حالُ أتباع الحقِّ من مقلِّديهم، وهؤلاء وإن كانوا على سبيلِ نجاةٍ فليسوا من دعاة الدِّين، وإنما هم من مكثِّري سَواد الجيش، لا من أمرائه وفرسانه.

والمنقاد: مُنْفَعِلٌ مِن قاده يَقُودُه، وهو مُطاوِعُ الثُّلاثي (١)، وأصلُه: مُنْقَيِد؛ كمُكْتَسِب، ثمَّ أُعِلَّت الياءُ ألفًا (٢) لحركتها بعد فتحة، فصار: مُنقاد؛


(١) (ح): «الثاني». وهو تحريف.
(٢) (ت): «ثم أقلب الياء ألفًا». والإعلال: تغيير حرف العلة للتخفيف، بالقلب كما في هذا المثال، أو التسكين، أو الحذف.