للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا؛ فإنَّ تلك اللذَّات سريعةُ الزوال، وإذا انقضت أعقَبَت همًّا وغمًّا وألمًا يحتاجُ صاحبُها أن يداويه بمثلها دفعًا لألمه، وربَّما كان معاودتُه لها مؤلمًا له كريهًا إليه، لكن يَحْمِلُه عليه مداواةُ ذلك الغمِّ والهمِّ.

فأين هذا من لذَّة العلم، ولذَّة الإيمان بالله، ومحبَّته، والإقبال عليه، والتنعُّم بذكره؟! فهذه هي اللذَّةُ الحقيقية.

الصنفُ الرابع: مَنْ حرصُه وهِمَّتُه في جمع الأموال وتثميرها وادِّخارها، فقد صارت لذَّتُه في ذلك، وفَنِيَ بها عمَّا سواه، فلا يرى شيئًا أطيبَ له ممَّا هو فيه، فأين هذا ودرجةُ العلم؟!

فهؤلاء الأصنافُ الأربعةُ ليسوا من دعاة الدِّين، ولا من أئمَّة العلم، ولا من طلبته الصادقين في طلبه، ومن تعلَّق منهم بشيءٍ منه فهو من المتسلِّقين عليه، المتشبِّهين بحَمَلته وأهله، المدَّعين لوصاله، المبتُوتين من حِباله.

وفتنةُ هؤلاء فتنةٌ لكلِّ مفتون؛ فإنَّ الناسَ يتشبَّهون بهم؛ لِمَا يظنُّون عندهم من العلم، ويقولون: «لسنا خيرًا منهم، ولا نرغبُ بأنفسنا عنهم»؛ فهم حجَّةٌ لكلِّ مفتون، ولهذا قال فيهم بعضُ الصحابة الكرام: «احذروا فتنةَ العالِم الفاجر والعابد الجاهل؛ فإنَّ فتنتَهما فتنةٌ لكلِّ مفتون» (١).

* وقولُه: «أقربُ شبهًا بهم الأنعامُ السائمة»؛ هذا التشبيه مأخوذٌ من قوله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، فما اقتصر سبحانه


(١) أخرجه نعيم بن حماد في زوائده على «الزهد» لابن المبارك (٧٥)، وأحمد في «العلل» (٣/ ١١٨ - رواية عبد الله)، وابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل» (٨٨)، وغيرهم عن سفيان الثوري قال: «كان يقال ... » فذكره.
وأخرجه البيهقي في «المدخل» (٤٤٣) عن الشعبي.