للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلتُ لهم: ظُنُّوا بألفَيْ مقاتلٍ ... سَراتُهمُ في الفارسيِّ المُسَرَّد

أي: استيقِنوا بهذا العدد.

وأبى ذلك طائفة، وقالوا: لا يكونُ اليقينُ إلا للعلم.

وأمَّا الظن، فمنهم من وافق على أنه يكونُ بمعنى العلم.

ومنهم من قال: لا يكون (١) الظنُّ في موضع اليقين. وأجابوا عمَّا احتجَّ به من جوَّز ذلك بأن قالوا: هذه المواضعُ التي زعمتم أنَّ الظنَّ وقع فيها موقعَ اليقين كلُّها على بابها؛ فإنَّا لم نجد ذلك إلا في علمٍ بمُغيَّب، ولم نجدهم يقولون لمن رأى الشيء: «أظنُّه»، ولمن ذاقه: «أظنُّه»، وإنما يقالُ لغائبٍ قد عُرِفَ بالسَّمع والعقل (٢)، فإذا صار إلى المشاهدة امتنع إطلاقُ الظنِّ عليه.

قالوا: وبين العِيان والخبر مرتبةٌ متوسِّطةٌ باعتبارها أُوقِعَ على العلم بالغائب الظنُّ؛ لفقد الحال التي تحصل لِمُدْرِكه بالمشاهدة.

وعلى هذا أُخرِجَت (٣) سائرُ الأدلَّة التي ذكرتموها.

ولا يَرِدُ على هذا قولُه: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} لأن الظنَّ إنما وقع على مُواقَعَتها (٤)، وهي غيبٌ حال الرؤية، فإذا واقعوها لم يكن ذلك ظنًّا، بل حقُّ يقين.


(١) من قوله: «بمعنى العلم» إلى هنا، ساقط من (ح، ن).
(٢) في الأصول: «بالسمع والعلم». تحريف. انظر: «الصواعق» (٨٧٠).
(٣) (ت، د): «خرجت».
(٤) (ت، ن): «مواقعها». (ق): «مواقعوها».