للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الناس من يقول: تعلُّمُ أصول الفقه فرضُ كفاية؛ لأنه العلمُ الذي يُعْرَفُ به الدليلُ ومرتبتُه، وكيفيةُ الاستدلال.

وهذه الأقوالُ وإن كانت أقربَ إلى الصواب من القول الأول، فليس وجوبُها عامًّا على كلِّ أحد، ولا في كلِّ وقت، وإنما تجبُ وجوبَ الوسائل في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص، بخلاف الفرض الذي يعمُّ وجوبُه كلَّ أحد؛ وهو علمُ الإيمان وشرائع الإسلام، فهذا هو الواجب، وأما ما عداه فإن توقَّفت معرفتُه عليه فهو من باب ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به، ويكونُ الواجبُ منه القدرَ المُوصِل إليه، دون المسائل التي هي فَضْلةٌ لا يفتقرُ معرفةُ الخطاب وفهمُه عليها.

فلا يُطلقُ القولُ بأنَّ علمَ العربية واجبٌ على الإطلاق؛ إذ الكثيرُ منه ومن مسائله وبحوثه لا يتوقَّفُ فهمُ كلام الله ورسوله عليها (١).

وكذلك أصولُ الفقه، القدرُ الذي يتوقَّفُ فهمُ الخطاب عليه منه تجبُ معرفتُه، دون المسائل المُقَدَّرة والأبحاث التي هي فَضْلة، فكيف يقال: إنَّ تعلُّمها واجب؟!

وبالجملة؛ فالمطلوبُ الواجبُ من العبد من العلوم والأعمال إذا توقَّف على شيءٍ منها كان ذلك الشيءُ واجبًا وجوبَ الوسائل، ومعلومٌ أنَّ ذلك التوقُّفَ (٢) يختلفُ باختلاف الأشخاص والأزمان والألسنة والأذهان؛


(١) لكنَّ ما يتوقَّفُ فهمُ الكلام عليه لا يوصلُ إليه إلا بتعلُّم كثيرٍ مما لا يُحتاجُ إليه، فصار الثاني مما لا يتمُّ الواجبُ إلا به. وللخليل بن أحمد عبارةٌ مشهورةٌ في هذا. انظر: «بهجة المجالس» (١/ ٦٧)، و «نصرة الثائر» للصفدي (٦٧).
(٢) (ت): «المتوقف».