للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا جعل اتباعَ رسوله دليلًا على محبَّته، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١].

فالمحبُّ الصادقُ يرى خيانةً منه لمحبوبه أن يتحرَّك بحركةٍ اختياريَّةٍ في غير مرضاته، وإذا فعل فعلًا مما أبيحَ له بمُوجَب طبيعته وشهوته تاب منه كما يتوبُ من الذَّنب، ولا يزالُ هذا الأمرُ يقوى عنده حتى تنقلبَ مباحاتُه (١) كلُّها طاعات، فيحتسبُ نَوْمَتَه (٢) وفِطْرَه وراحتَه كما يحتسبُ قَوْمَتَه وصومَه واجتهادَه، وهو دائمًا بين سرَّاءَ يشكرُ اللهَ عليها وضرَّاءَ يصبرُ عليها؛ فهو سائرٌ إلى الله دائمًا في نومه ويقظته.

قال بعض العلماء: «الأكياسُ عاداتهم عبادات، والحمقى عباداتهم عادات» (٣).

وقال بعضُ السَّلف: «حبَّذا نومُ الأكياس وفِطْرُهم، يَغْبِنون (٤) به سهرَ الحمقى وصومَهم» (٥).

فالمحبُّ الصادقُ إنْ نَطَق نَطَق لله وبالله، وإن سَكَت سَكَت لله، وإن


(١) (ح): «مباحاته عنده».
(٢) (ق، د، ت): «نومه».
(٣) انظر: «طريق الهجرتين» (٤٦٦، ٤٦٧).
(٤) كذا في الأصول، وهو مستقيم. وفي طرة (د): «لعله: يسبقون». وتحرفت في بعض المصادر إلى: يعيبون.
(٥) أخرجه أحمد في «الزهد» (١٣٧)، ــ ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (١/ ٢١٢) ــ، وابن أبي الدنيا في «اليقين» (٨)، ــ ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٤٧/ ١٧٥) ــ عن أبي الدرداء بإسنادٍ منقطع.