للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الربُّ تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وأن يُعْبَد بمُوجَبها ومقتضاها؛ فكما أنَّ عبادتَه مطلوبةٌ مرادةٌ لذاتها، فكذلك العلمُ به ومعرفتُه.

وأيضًا؛ فإنَّ العلمَ من أفضل أنواع العبادات ــ كما تقدَّم تقريره ــ؛ فهو متضمِّنٌ للغاية والوسيلة.

وقولُكم: «إنَّ العمل غاية»، إمَّا أن تريدوا به العملَ الذي يدخلُ فيه عملُ القلب والجوارح، أو العملَ المختصَّ بالجوارح فقط.

فإن أريدَ الأول، فهو حق، وهو يدلُّ على أنَّ العلمَ غايةٌ مطلوبة؛ لأنه من أعمال القلب ــ كما تقدم ــ.

وإن أريدَ به الثاني ــ وهو عملُ الجوارح فقط ــ، فليس بصحيح؛ فإنَّ أعمالَ القلوب مقصودةٌ ومرادةٌ لذاتها، بل في الحقيقة أعمالُ الجوارح وسيلةٌ مرادةٌ لغيرها؛ فإنَّ الثوابَ والعقابَ والمدحَ والذمَّ وتوابعَها هو للقلب أصلًا وللجوارح تبعًا، وكذلك الأعمالُ المقصودُ بها أوَّلًا صلاحُ القلب واستقامتُه وعبوديتُه لربِّه ومليكه، وجُعِلَت أعمالُ الجوارح تابعةً لهذا المقصود مرادةً له، وإن كان كثيرًا (١) منها يرادُ (٢) لأجل المصلحة المترتِّبة عليه، فمن أجلِّها: صلاحُ القلب وزكاؤه وطهارتُه واستقامتُه.

فعُلِمَ أنَّ الأعمال منها غايةٌ ومنها وسيلة، وأنَّ العلمَ كذلك.

وأيضًا؛ فالعلمُ الذي هو وسيلةٌ إلى العمل فقط إذا تجرَّدَ عن العمل لم ينتفع به صاحبُه؛ فالعملُ أشرفُ منه.


(١) كذا في الأصول، بالنصب.
(٢) (ن): «مرادا».