للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصيبَ الأرض قطرةً قطرة، قد عُيِّنت كلُّ قطرةٍ منها لجزءٍ من الأرض لا تتعدَّاه إلى غيره، فلو اجتمع الخلقُ كلُّهم على أن يخلقوا منها قطرةً واحدةً أو يحصُوا عدد القَطر في لحظةٍ واحدةٍ لعجزُوا عنه.

فتأمَّل كيف يَسُوقُه سبحانه رزقًا للعباد والدَّوابِّ والطَّير والذَّرِّ والنَّمل، يَسُوقُه رزقًا للحيوان الفُلانيِّ في الأرض الفُلانيَّة بجانب الجبل الفُلانيِّ، فيَصِلُ إليه على شدَّةٍ من الحاجة والعطش في وقت كذا وكذا.

ثمَّ كيف أودَعه في الأرض (١)، ثمَّ أخرجَ به أنواعَ الأغذية والأدوية والأقوات، فهذا النَّباتُ يغذِّي، وهذا يُصْلِحُ الغذاء، وهذا يُنْفِذُه، وهذا يُقَوِّي (٢)، وهذا يُضعِف، وهذا سُمٌّ قاتل، وهذا شفاءٌ من السمِّ، وهذا يُمْرِض، وهذا دواءٌ من المرض، وهذا يبرِّد، وهذا يسخِّن، وهذا إذا حصَل في المعدة قمَع الصَّفراءَ من أعماق العُروق، وهذا إذا حصَل فيها ولَّدَ الصَّفراءَ واستحال إليها، وهذا يَدْفَعُ البلغمَ والسَّوداء، وهذا يستحيلُ إليهما، وهذا يهيِّجُ الدَّم، وهذا يسكِّنه، وهذا ينوِّمُ، وهذا يمنعُ النَّوم، وهذا يُفْرِحُ، وهذا يجلِبُ الغمَّ، إلى غير ذلك من عجائب النَّبات التي لا تكادُ تخلو ورقةٌ منه ولا عِرقٌ ولا ثمرةٌ من منافع تعجزُ عقولُ البشر عن الإحاطة بها وتفصيلها.

وانظر إلى مجاري الماء في تلك العروق الدَّقيقة (٣) الضَّئيلة الضعيفة التي لا يكادُ البصرُ يُدْرِكُها إلا بعد تحديقه، كيف يَقْوَى على قَسْرِه وعلى


(١) «الإحياء» (٤/ ٤٤٠، ٤٤٤).
(٢) «وهذا يقوي» ليست في (ح، ن).
(٣) (ت): «الرقيقة».