للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعادنُ مخزونةٌ فيه كالذخائر والحواصِل (١) المُعَدَّة المهيَّأة كلُّ شيءٍ منها لشأنه الذي يصلُح له (٢)، وضروبُ النَّبات مهيَّأةٌ لمآربه، وصنوفُ الحيوان مصرَّفةٌ (٣) في مصالحه؛ فمنها الرَّكُوب، ومنها الحَلُوب، ومنها الغذاء، ومنها الدَّواءُ (٤)، ومنها اللباسُ والأمتعةُ والآلات (٥)، ومنها الحرَسُ الذي وُكِّل بحَرْسِ الإنسان؛ يحرُسه وهو نائمٌ وقاعدٌ مما هو مستعدٌّ لإهلاكه وأذاه، فلولا ما سُلِّط عليه من ضدِّه لم يستقرَّ للإنسان قرارٌ بينهم، وجعَل الإنسانَ كالملِك المخوَّل في ذلك المحكَّم فيه، المتصرِّف بفعله وأمره.

ففي هذا أعظمُ دلالةٍ وأوضحُها على أنَّ العالم مخلوقٌ لخالقٍ حكيمٍ قديرٍ عليم، قدَّره أحسنَ تقدير، ونظَّمه أحسنَ نظام، وأنَّ الخالقَ له يستحيلُ أن يكون اثنين، بل إلهٌ واحد، لا إله إلا هو، تعالى عمَّا يقولُ الظَّالمون والجاحدون عُلوًّا كبيرًا، وأنه لو كان في السَّموات والأرض إلهٌ غيرُ الله لفسَد أمرُهما، واختلَّ نظامُهما، وتعطَّلت مصالحهما.

وإذا كان البدنُ يستحيلُ أن يكون المدبِّرَ له رُوحان متكافئان متساويان, ولو كان كذلك لفسَد وهلَك، مع إمكان أن يكونا تحت قَهْرِ ثالث؛ فكيف يمكنُ أن يكون المدبِّر لهذا العالم العُلويِّ والسُّفليِّ إلهين متكافئين متساويين ليسا تحت قَهْرِ ثالث (٦)؟!


(١) الحواصل، جمع حاصل، وهو المستودع والمخزن. «تكملة المعاجم» (٣/ ٢٢٠).
(٢) (ر): «والجواهر مخزونة في معادنها كالذخائر».
(٣) (ض): «مصروفة».
(٤) «ومنها الدواء» ليست في (ت، ح، ن).
(٥) (ح): «والآلة».
(٦) من قوله: «فكيف يمكن» إلى هنا، ساقطٌ من (ت، ق، ن) لانتقال النظر.