للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ تغيبُ (١) عنهم مثلَ ذلك ليَقِرُّوا ويهدؤوا، وصار ضياءُ النَّهار مع ظلام الليل، وحرُّ هذا مع بَرد هذا، مع تضادِّهما، متعاونَين (٢) متظاهِرَين، بهما تمامُ مصالح العالَم.

وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى ونبَّه عبادَه عليه بقوله عزَّ وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: ٧١ - ٧٢].

وخصَّ سبحانه النَّهارَ بذكر البصر؛ لأنه محلُّه، وفيه سلطانُ البصر وتصرُّفُه.

وخصَّ الليلَ بذكر السَّمع لأنَّ سلطانَ السَّمع يكونُ بالليل، وتُسْمَعُ (٣) فيه الحيواناتُ ما لا تُسْمَعُ (٤) في النَّهار؛ لأنه وقتُ هدوء الأصوات، وخمود الحركات، وقوَّة سلطان السمع، وضعف سلطان البصر.

والنَّهارُ بالعكس؛ فيه قوَّة سلطان البصر، وضعفُ سلطان السمع.

فقولُه: {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} راجعٌ إلى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ} به، وقوله: {أَفَلَا


(١) (ر، ض): «يغيب».
(٢) (ض): «منقادين».
(٣) (ح، ن): «ويسمع».
(٤) (ق، ح، ن): «يسمع».