للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهما، وفكِّر في دخول أحدهما على الآخر بالتَّدريج والمُهْلَة حتى يبلُغ نهايتَه، ولو دَخَل عليه مفاجأةً لأضرَّ ذلك بالأبدان وأهلكها (١) وبالنَّبات، كما لو خرَج الرَّجلُ من حمَّامٍ مُفْرط الحرارة إلى مكانٍ مُفْرطٍ في البُرودة. ولولا العنايةُ والحكمةُ والرَّحمةُ والإحسانُ لما كان ذلك.

فإن قلتَ: هذا التَّدريجُ والمُهْلةُ إنما كان لإبطاء سَيْر الشمس في ارتفاعها وانخفاضها.

قيل لك: فما السَّببُ في ذلك الإبطاء في الانخفاض (٢) والارتفاع؟

فإن قلتَ: السَّببُ في ذلك بُعْدُ المسافة من مشارقها ومغاربها.

قيل لك: فما السَّببُ في بُعْدِ المسافة؟ (٣).

ولا تزالُ المسألةُ متوجِّهةً عليكَ كلَّما عيَّنتَ سببًا (٤)، حتى تُفضِي بك إلى أحد أمرين:

إمَّا مكابرةٌ ظاهرة، ودعوى أنَّ ذلك اتفاقٌ من غير مدبِّرٍ ولا صانع.

وإمَّا الاعترافُ بربِّ العالمين، والإقرارُ بقيُّوم السَّموات والأرضين، والدُّخولُ في زُمرة أولي العقل من العالمين.


(١) (ق، ت، د): «وأهلها». (ض): «وأسقمها».
(٢) (ن): «الإبطاء والانخفاض والارتفاع».
(٣) في طرَّة (د، ق) هنا التعليقُ التالي: «ولا يمكنه أيضًا أن يقول: بُعْدُ المسافة؛ لأن القمر يقطعها في شهر، والشمس تقطعها في سنة؛ لهذه الحكمة البينة الإلهية». وليس من كلام المصنف؛ وأدخله ناشر (ط) في المتن. ولم يرد في (ر، ض).
(٤) (ق، ت): «شيئًا». (ض): «فلا تزال هذه المسألة ترقى معه الى حيث رقي من هذا القول».