للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ذنبٍ مغفور، وعَثْرةٍ مُقالة، وزلَّةٍ معفُوٍّ عنها، وحاجةٍ مقضيَّة، وكربةٍ مفروجة، وبليَّةٍ مدفوعة، ونعمةٍ متجدِّدة، وسعادةٍ مُكتَسبة، وشقاوةٍ ممحُوَّة!

كيف، وهو الجبلُ المخصوصُ بذلك الجمع الأعظم والوفد الأكرم الذين جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميق، وقوفًا لربِّهم، مستكينين لعظمته، خاضعين (١) لعزَّته، شُعثًا غُبرًا، حاسرين عن رؤوسهم، يستقيلونه عثراتهم، ويسألونه حاجاتهم، فيدنو منهم، ثمَّ يُباهي بهم الملائكة؟! فلِلَّه ذاك الجبلُ وما ينزلُ عليه من الرحمة والتَّجاوُز عن الذُّنوب العِظام!

ومنها: جبلُ حراءَ الذي كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يخلو فيه بربِّه (٢)، حتى أكرمه الله برسالته (٣) وهو في غاره، فهو الجبلُ الذي فاض منه النُّورُ على أقطار العالم، فإنه ليفخَرُ على الجبال، وحُقَّ له ذلك.

فسبحان من اختَصَّ برحمته وتكريمه من شاء من الجبال والرِّجال، فجَعَل منها جبالًا هي مِغْناطيسُ القلوب كأنها مركَّبةٌ منها، فهي تَهْوِي إليها كلَّما ذكرتْها وتهفُو نحوَها، كما اختَصَّ من الرِّجال من اختصَّه بكرامته، وأتمَّ عليه نعمتَه، ووضع عليه محبَّةً منه؛ فأحبَّه وحبَّبه إلى ملائكته وعباده المؤمنين ووَضَع له القبولَ بينهم.

وإذا تأمَّلتَ البِقاعَ وجدتَها ... تشقى كما تشقى الرِّجالُ وتَسْعَدُ (٤)


(١) (ت): «برسالاته».
(٢) كما أخرجه البخاري (٣)، ومسلم (١٦٠) من حديث عائشة.
(٣) (ق): «خاضعين لعزته».
(٤) البيت لأبي تمام في ديوانه بشرح التبريزي (٣/ ١٩٥)، و «وفيات الأعيان» (١/ ٤٤٣). وفي «الوفيات»: «تشقى الرجال وتنعم». ورواية الديوان:
* تثري كما تثري الرجال وتنعم *
وبالرواية التي أورد المصنف في ديوان ابن نباتة وكثيرٍ من المصادر دون نسبة.