للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجالهم ومرعاهم ومَصِيفُهم ومَشْتاهُم.

ثمَّ فيها ــ بعدُ ــ متَّسعٌ ومتنفَّسٌ للنَّاس ومُضطرَبٌ إذا احتاجوا إلى الانتقال والبَدْوِ (١) والاستبدال بالأوطان؛ فكم من بيداءَ سَمْلَقٍ (٢) صارت قصورًا (٣) وجِنانًا ومساكن. ولولا سَعةُ الأرض وفَسْحُها (٤) لكان أهلُها كالمحصورين والمحبوسين في أماكنهم، لا يجدون عنها انتقالًا إذا فَدَحَهم (٥) ما يزعجُهم عنها ويضطرُّهم إلى النُّقلة منها.

وكذلك الماء، لولا كثرتُه وتدفُّقه في الأودية والأنهار لضاق عن حاجة النَّاس إليه، ولغَلَبَ القويُّ فيه الضعيفَ واستبدَّ به دونه، فيحصلُ الضررُ وتَعْظُمُ البليَّة، مع شدَّة حاجة جميع الحيوان إليه من الطَّير والوحوشِ والسِّباع، فاقتضت الحكمةُ أن كان بهذه الكثرة والسَّعة في كلِّ وقت.

وأما النَّار، فقد تقدَّم أنَّ الحكمةَ اقتضت كُمونَها (٦)؛ متى شاء العبدُ أَوْراها عند الحاجة، فهي وإن لم تكن مبثوثةً (٧) في كلِّ مكانٍ فإنها عَتِيدةٌ (٨) حاصلةٌ متى احتيجَ إليها، واسعةٌ لكلِّ ما يُحتاجُ إليه منها، غير أنها مُودَعةٌ في أجسامٍ جُعِلَت معادنَ لها؛ للحكمة التي تقدَّمت.


(١) (ت): «والبدول».
(٢) وهي: القَفْر الذي لا نبات فيه. أو القاع المستوى الأملس. «اللسان» (سملق).
(٣) (ض): «فكم بيداء وكم فدفد حالت قصورا».
(٤) (ر، ض): «وفسحتها».
(٥) (ق، ت، ح، ن): «قدحهم».
(٦) (ح): «كونها».
(٧) (ن): «مشبوبة».
(٨) أي: حاضرةٌ مُعَدَّة. «اللسان» (عتد).