للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتنزع منها (١) الغذاء وتمتصَّه من أسفل الثَّرى، فتؤدِّيه إلى أغصانها، فتؤدِّيه الأغصانُ إلى الوَرق والثَّمر، كلٌّ له شِرْبٌ معلومٌ لا يتعدَّاه، يصلُ إليه في مَجَارٍ وطرقٍ قد أُحكِمَت غايةَ الإحكام، فتأخذُ الغذاءَ من أسفلَ وتَلْقَمه بعروقها كما يلتقمُ الحيوانُ غذاءه بفمه، ثمَّ تقسِّمه على حملها بحسب ما يحتملُه (٢)، فتعطي كلَّ جزءٍ منه بحسب ما يحتاجُ إليه لا تظلمُه ولا تزيدُه على قَدْر حاجته.

فسَلِ الجاحدَ (٣): من أعطاها هذا؟ ومن هداها إليه ووَضَعَه فيها؟

فلو اجتمعَ الأوَّلون والآخِرون هل كانت قدرتُهم وإرادتُهم تصلُ إلى تربية (٤) ثمرةٍ واحدةٍ منها هكذا بإشارةٍ أو صناعةٍ أو حيلةٍ أو مزاوَلة؟

وهل ذلك إلا صُنْعُ من شَهِدَت له مصنوعاتُه، ودلَّت عليه آياتُه، كما قيل:

فوا عَجبًا كيف يُعصى الإلـ ... ـهُ أم كيف يجحَدُه الجاحِدُ

وللهِ في كُلِّ تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبدًا شاهِدُ

وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ ... تَدُلُّ على أنه واحِدُ (٥)


(١) (ت، د، ق): «ليسرع بها». (ح، ن): «ليسوغ بها». والمثبت من (ر، ض).
(٢) (ت، ن): «يحمله».
(٣) (ن): «فاسأل المعطل».
(٤) (ت): «ترتيب».
(٥) الأبيات لأبي العتاهية في ديوانه (١٠٤)، و «الأغاني» (٤/ ٣٧)، و «التمثيل والمحاضرة» (١١)، و «بهجة المجالس» (٢/ ٣٣١)، وغيرها كثير.
ونُسِبَت إلى لبيد، ومحمود الوراق، وأبي نواس، وابن المبارك، في مصادر أخرى، ولا يصحُّ من ذلك شيء.