للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمنزلة وقت العُلُوق ومبدأ تكوين النُّطَف، فتعملُ المادَّةُ في أجوافها عملَها، وتهيِّئها للعُلُوق، حتى إذا آن وقتُ الحمل دَبَّ فيها الماءُ، فلانت أعطافُها (١)، وتحرَّكت للحَمْل، وسرى الماءُ في أفنانها، وانتشرت فيها الحرارةُ والرُّطوبة.

حتى إذا آنَ وقتُ الولادة كُسِيَت من سائر الملابس الفاخرة من النَّوْر والوَرَق ما تتبخترُ فيه (٢) وتَمِيسُ به وتفخَرُ على العقيم، فإذا أظهرت أولادها (٣)، وبانَ للنَّاظر حملُها، عُلِم حينئذٍ كرمُها وطِيبُها مِنْ لؤمها وبخلها؛ فتولى تغذيةَ ذلك الحمل من تولى غذاءَ الأجنَّة في بطون أمَّهاتها وكساها الأوراق وصانها من الحرِّ والبرد.

فإذا تكامل الحملُ وآن وقتُ الفطام، تَدَلَّت إليك أفنانُها كأنما تناولكَ ثمرةَ كبدها (٤)، فإذا قابلتَها رأيتَ الأفنانَ كأنها تلقاك بأولادها وتحيِّيكَ وتكرمكَ بهم وتقدِّمهم إليك، حتى كأنَّ مناوِلًا يناولكَ إياها بيده، ولا سيَّما قطوفُ جنَّات النَّعيم الدَّانيةُ التي يتناولها المؤمنُ قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، وكذلك ترى الرَّياحينَ كأنها تحيِّيكَ بأنفُسِها، وتقابلكَ بطِيب رائحتها.

وكلُّ هذا إكرامًا لك، وعنايةً بأمرك، وتخصيصًا لك، وتفضيلًا على غيرك من الحيوانات، أفيَجْمُلُ بك الاشتغالُ بهذه النِّعَم عن المُنعِم بها؟! فكيف إذا استعنتَ بها على معاصيه وصرفتَها في مساخطه؟! فكيف إذا جحدتَه وأضفتَها إلى غيره، كما قال: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: ٨٢]؟!


(١) (ت): «فملأت أعطافها».
(٢) (ن، ح): «تفتخر به».
(٣) (ح، ن): «ظهرت أولادها». (ت): «ظهرت ولادتها».
(٤) (ح): «ثمر درها».