للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلتُ للأوَّل: ما ذكرتَه من كَوْن نوى التَّمر ثمنًا للعنب فليس بدليل؛ فإنَّ هذا له أسباب:

أحدها: حاجتُكم إلى النَّوى للعَلف، فيرغبُ صاحبُ العنب فيه لعَلف ناضحه وحمولته.

الثاني: أنَّ نوى العنب لا فائدة فيه ولا يجتمع.

الثالث: أنَّ الأعنابَ عندكم قليلةٌ جدًّا، والتَّمر فأكثرُ شيءٍ عندكم، فيكثرُ نواهُ، فيشترى به الشيءُ اليسيرُ من العنب، وأمَّا في بلادٍ فيها سلطانُ العنب فلا يشترى بالنَّوى منه شيءٌ ولا قيمة لنوى التَّمرِ فيها.

وقلتُ لمن احتجَّ بالحديث: هذا الحديثُ من حُجَج فضل العنب (١)؛ لأنهم كانوا يسمُّونه شجرةَ الكَرْم؛ لكثرة منافعه وخيره، فإنه يؤكلُ رطبًا ويابسًا وحُلوًا وحامضًا، وتجنى (٢) منه أنواعُ الأشربة والحلوى والدِّبْس وغير ذلك، فسمَّوه كَرْمًا لكثرة خيره؛ فأخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ قلبَ المؤمن أحقُّ منه بهذه التَّسمية؛ لكثرة ما أودع الله فيه من الخير والبِرِّ والرَّحمة واللِّين والعدل والإحسان والنُّصح وسائر أنواع البرِّ والخير التي وضعها الله (٣) في قلب المؤمن، فهو أحقُّ بأن يسمَّى كَرْمًا من شجر العنب (٤).

ولم يُرِد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إبطالَ ما في شجر العنب من المنافع والفوائد، وأنَّ


(١) (ن): «من حجج من فضل العنب».
(٢) مهملة في (د). وفي (ن): «وتجيء». وهي قراءة محتملة.
(٣) (ت، ح): «وصفها الله».
(٤) من هنا إلى آخر الفصل ساقطٌ من (ح، ن)، وفي (ن): «بياض في الأصل».