للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد طابَقَ بعضُ النَّاس هذه المنافعَ وصفاتِ المسلم، وجَعَل لكلِّ منفعةٍ منها صفةً في المسلم تقابلُها، فلمَّا جاء إلى الشَّوك الذي في النَّخلة جَعَل بإزائه من المسلم صفةَ الحِدَّة (١) على أعداء الله وأهل الفُجور؛ فيكونُ عليهم في الشدَّة والغِلظة بمنزلة الشَّوك، وللمؤمنين والمتقين بمنزلة الرُّطَب حلاوةً ولِينًا، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩].

الثَّامن: أنها كلَّما طال عمرُها ازداد خيرُها وجاد ثمرُها؛ وكذلك المؤمنُ إذا طال عمره ازداد خيرُه وحَسُنَ عملُه.

التَّاسع: أنَّ قلبَها من أطيب القلوب وأحلاه، وهذا أمرٌ خُصَّت به دون سائر الشجر؛ وكذلك قلبُ المؤمن من أطيب القلوب.

العاشر: أنها لا يتعطَّلُ نفعُها بالكليَّة أبدًا، بل إن تعطَّلت منها منفعةٌ ففيها منافعُ أُخَر، حتى لو تعطَّلت ثمارُها سنةً لكان للنَّاس في سَعَفِها وخُوصِها ولِيفها وكَرَبها منافعُ وآراب؛ وهكذا المؤمنُ لا يخلو عن شيءٍ من خصال الخير قطُّ، بل إن أجْدَبَ منه جانبٌ من الخير أخصَبَ منه جانب، فلا يزالُ خيرُه مأمولًا وشرُّه مأمونًا.

وفي «الترمذي» (٢) مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم من يُرْجى خيرُه ويُؤمَنُ شرُّه، وشرُّكم من لا يُرجَى خيرُه ولا يُؤمَنُ شرُّه».

فهذا فصلٌ مُعتَرِضٌ ذكرناه استطرادًا للحكمة في خلق النَّخلة وهيئتها، فلنرجِع إليه.


(١) «صفة» ليست في (ت).
(٢) (٢٢٦٣)، وأحمد (٢/ ٣٦٨)، وغيرهما من حديث أبي هريرة.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح». وصححه ابن حبان (٥٢٧).