للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الماء صار إلى الماء، ولم نظلِمْك!

وتأمَّل الحكمةَ في حبس الله الغيثَ عن عباده وابتلائهم بالقحط إذا منعوا الزَّكاة وحرموا المساكين، كيف جُوزوا على منع ما للمساكين قِبَلهم من القوت بمنع الله مادَّة القوت والرزق وحبسِها عنهم، يقالُ لهم (١) بلسان الحال: مَنعتُم الحقَّ فمُنِعتُم الغيث، فهلَّا استنزلتموه ببذل ما لله قِبَلكم!

وتأمَّل حكمةَ الله تعالى في صَرْفِه الهدى والإيمان عن قلوب الذين يصرفون الناسَ عنه، فصدَّهم عنه كما صدُّوا عبادَه، صدًّا بصدٍّ ومنعًا بمنع.

وتأمَّل حكمتَه تعالى في مَحْقِ أموال المرابينَ وتسليط المتلفات عليها (٢)، كما فعلوا بأموال الناس ومَحَقُوها عليهم وأتلفوها بالربا؛ جُوزوا إتلافًا بإتلاف، فقلَّ أن ترى مُرابيًا (٣) إلا وآخرتُه إلى مَحْقٍ وقِلَّةٍ وحاجة.

وتأمَّل حكمتَه تعالى في تسليط العدوِّ على العباد إذا جار قويُّهم على ضعيفهم ولم يؤخذ للمظلوم حقُّه من ظالمه، كيف يسلَّطُ عليهم من يفعلُ بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواءً. وهذه سنَّته تعالى منذ قامت الدُّنيا إلى أن تطوى الأرضُ ويعيدُها كما بدأها.

وتأمَّل حكمتَه تعالى في أن جَعَل ملوكَ العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأنَّ أعمالهم ظهرت في صُوَر وُلاتهم وملوكهم؛ فإن استقاموا استقامت ملوكُهم، وإن عدلوا عدلوا عليهم، وإن جاروا جارت


(١) (ت، ق): «فقال له». (د): «فقال لهم».
(٢) (ح): «عليهم».
(٣) (ق): «مراب».