للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمثل هذا إلا دخولٌ في سِلْك المجانين والمُبَرسَمين (١).

ثمَّ قل لها بعدُ: ولو ثبت لكِ ما ادَّعيت فمعلومٌ أنَّ مثل هذه الصِّفة ليست بخالقةٍ لنفسها ولا مبدعةٍ لذاتها، فمن ربُّها ومبدعُها وخالقُها؟! ومن طبَّعها وجعلها تفعلُ ذلك؟!

فهي إذن مِنْ أدلِّ الدَّلائل (٢) على بارئها وفاطرها، وكمال قدرته وعلمه وحكمته، فلم يُجْدِ عليك تعطيلُك ربَّ العالم وجحدُك لصفاته وأفعاله إلا مخالفتك لموجَب العقل والفطرة (٣).

ولو حاكمناك إلى الطَّبيعة لأريناك أنك خارجٌ عن مُوجَبها، فلا أنت مع مُوجَب العقل، ولا الفطرة، ولا الطبيعة، ولا الإنسانيَّة أصلًا، وكفى بذلك جهلًا وضلالًا.

فإن رجعتَ إلى العقل، وقلتَ: لا يوجدُ حكمةٌ إلا من حكيمٍ قادرٍ عليم، ولا تدبيرٌ متقنٌ محكَمٌ إلا من صانعٍ قادرٍ مختارٍ مدبِّر، عليمٍ بما يريد (٤)، قادرٍ عليه، لا يُعْجِزُه ولا يَصْعُبُ عليه ولا يؤودُه.

قيل لك: فقد أقررتَ ــ ويحكَ ــ بالخلَّاق العظيم الذي لا إله غيره ولا ربَّ سواه، فدَع تسميتَه طبيعةً أو عقلًا فعَّالًا أو مُوجِبًا بذاته، وقل: هذا هو الله


(١) البِرْسام (بكسر الباء وفتحها): علَّة يهذى فيها. فارسية معرَّبة. انظر: «المعرب» للجواليقي (٩٣)، و «قصد السبيل» (١/ ٢٧٠).
(٢) (ق، د، ت): «من أدل الدليل».
(٣) (ح، ن): «مخالفتك العقل والفطرة».
(٤) (ت): «يدبره». (ن): «يدبر».