للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا مبنيٌّ على أصلٍ آخر؛ وهو: أيُّ الصِّفتين أكمل: صفةُ السَّمع أو صفةُ البصر؟ وقد ذكرنا الخلافَ فيهما فيما تقدَّم من هذا الكتاب (١)، وذكرنا أقوال النَّاس وأدلَّتهم والتَّحقيقَ في ذلك (٢)، فأيُّ الصِّفتين كانت أكمل فالضررُ بعدمها أقوى.

والذي يليقُ بهذا الموضع أن يقال: عادمُ البصر أشدُّهما ضررًا، وأسلمُهما دِينًا، وأحمدُهما عاقبة، وعادمُ السَّمع أقلُّهما ضررًا في دنياه، وأجهلُهما بدينه، وأسوؤهما عاقبة؛ فإنه إذا عَدِم السَّمعَ عَدِم المواعظ والنَّصائح، وانسدَّت عليه أبوابُ العلوم النَّافعة، وانفتحت له (٣) طرقُ الشَّهوات التي يدركُها البصر، ولا ينالُه من العلم ما يكفُّه عنها، فضررُه في دينه أكثر، وضررُ الأعمى في دنياه أكثر.

ولهذا لم يكن في الصَّحابة أطرش، وكان فيهم جماعةٌ أضرَّاء، وقلَّ أن يبتلي الله أولياءه بالطَّرَش، ويبتلي كثيرًا منهم بالعمى.

هذا فصلُ الخطاب في هذه المسألة؛ فمضرَّةُ الطَّرَش في الدِّين، ومضرَّةُ العمى في الدنيا، والمعافى من عافاه الله منهما ومتَّعه بسمعه وبصره وجَعَله الوارثَ منه (٤).


(١) (ص: ٢٨٨ - ٢٩٢).
(٢) (ح، ن): «وأدلة التحقيق في ذلك».
(٣) (ح، ن): «واتضح له». (ق، ت): «وانفتح له».
(٤) أي: جعل البصر (أو المذكور، من السمع والبصر) آخرَ ما يخرجُ منه، فيبقى ممتَّعًا به إلى أن تفارقه روحُه؛ فيكون هو الوارث لجوارحه، الباقي بعدها. انظر: «غريب الحديث» للخطابي (١/ ٣٤٣)، و «نوادر الأصول» (٣/ ١٠٥).