للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوقتُ (١) أحدثتُ توبةً. وهذا مذهبٌ لا يرتضيه الله تعالى عزَّ وجلَّ من عباده، ولا يقبلُه منهم (٢)، ولا يصلُح عليه أحوالُ العالم، ولا يصلُح العالم إلا على هذا الذي اقتضته حكمتُه وسبق في علمه.

فلو أنَّ عبدًا من عبيدك عمل على أن يُسْخِطك أعوامًا ثمَّ يرضيك ساعةً واحدةً إذا تيقَّن أنه صائرٌ إليك لم تَقْبَل منه، ولم يفُز لديك بما يفوزُ به من همُّه رضاك (٣).

وكذا سنةُ الله عزَّ وجلَّ أنَّ العبد إذا عاين الانتقال إلى الله تعالى لم تنفعه توبةٌ ولا إقلاع؛ قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: ١٨]، وقوله: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: ٨٤ - ٨٥].

والله تعالى إنما يغفرُ للعبد إذا كان وقوعُ الذَّنب منه على وجه غلبة الشَّهوة وقوَّة الطَّبيعة، فيُواقِعُ الذَّنبَ مع كراهته له من غير إصرارٍ (٤) في نفسه، فهذا تُرجى له مغفرةُ الله وصفحُه وعفوُه؛ لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له، وأنه يرى كلَّ وقتٍ (٥) ما لا صبر له عليه، فهو إذا واقع الذَّنبَ


(١) «الوقت» ليست في (ت).
(٢) (ح، ن): «ولا يقبل منهم».
(٣) (ت): «مرضاتك». (د، ق): «برضاك».
(٤) (ت): «إضمار». (ح، ن): «احتراز».
(٥) (ت): «كل ساعة».