للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا بلغ العبدُ حدَّ الكِبَر، وضَعُف نظرُه (١)، ووَهَت قُواه (٢)، وقد أوجبت له تلك الأعمالُ قوَّةً في غيِّه، وضعفًا في إيمانه، صارت كالمَلَكة له بحيثُ لا يتمكَّنُ من تركها؛ فإنَّ كثرة المزاولات تعطي المَلَكات، فتبقى للنفس هيئةٌ راسخةٌ ومَلَكةٌ ثابتةٌ في الغيِّ والمعاصي، وكلَّما صَدَر منه واحدٌ منها أثَّر أثرًا زائدًا على أثر ما قبله، فيقوى الأثران، وهلمَّ جرًّا، فيهجُم عليه الضَّعفُ والكِبَر ووهنُ القوَّة على هذه الحال، فينتقلُ إلى الله بنجاسته وأوساخه وأدرانه لم يتطهَّر للقدوم على الله، فما ظنُّه بربِّه؟!

ولو أنه تاب وأناب وقت القدرة والإمكان لقُبِلت توبتُه، ومُحِيَت سيِّئاتُه، ولكن حِيلَ بينهم وبين ما يشتهون. ولا شيء أشهى لمن انتقل إلى الله على هذه الحال من التَّوبة، ولكن فرَّط في أداء الدَّين حتى نَفِد المال، ولو أدَّاه وقت الإمكان لقَبِله ربُّه، وسيعلمُ المسوِّفُ المفرِّطُ (٣) أيَّ ديَّانٍ ادَّان! وأيَّ غريمٍ يتقاضاه يوم يكونُ الوفاءُ من الحسنات، فإن فَنِيَت فبحملِ (٤) السَّيئات!

فبانَ أنَّ من حكمة الله (٥) ونِعَمه على عباده أن ستر عنهم مقاديرَ آجالهم، ومبلَغ أعمارهم، فلا يزالُ الكيِّسُ يترقَّبُ الموتَ وقد وضعه بين عينيه، فينكفُّ عمَّا يضرُّه في معاده، ويجتهدُ فيما ينفعُه ويُسَرُّ به عند القُدوم.


(١) (ح، ن): «وضعفت بصيرته». وسقطت من (ت).
(٢) (ت): «ووهنت قواه». (ت): «وذهب قوته».
(٣) (ت، ح، ن): «المسرف والمفرط». والجملة ساقطة من (ق).
(٤) مهملة في (د). (ح، ق): فيحمل». (ت، ن): «فتحمل».
(٥) (ن): «أن حكمة الله».