للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكملُ ولا أعظمُ من هذا الفرح، كما سنوضِّحُ ذلك ونزيدُه تقريرًا عن قريبٍ إن شاء الله (١)، ولولا المحبةُ التامَّةُ للتَّوبة ولأهلها لم يحصل هذا الفرح.

ومن المعلوم أنَّ وجود المُسَبَّب بدون سببه ممتنع، وهل يوجدُ ملزومٌ بدون لازمه، أو غايةٌ بدون وسيلتها؟!

وهذا معنى قول بعض العارفين: «لو لم تكن التَّوبةُ أحبَّ الأشياء إليه لما ابتلى بالذَّنب أكرمَ المخلوقات عليه» (٢).

فالتَّوبةُ هي غايةُ كمال كلِّ آدميٍّ، وإنما كان كمالُ أبيهم بها، فكم بين حاله وقد قيل له: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: ١١٨ - ١١٩] وبين قوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢]!

فالحالُ الأوَّلُ حالُ أكلٍ وشربٍ وتمتُّع، والحالُ الأخرى حالُ اجتباءٍ واصطفاءٍ وهداية، فيا بُعْدَ ما بينهما!

ولمَّا كان كمالُه بالتَّوبة كان كمالُ بَنِيه أيضًا بها، كما قال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٧٣].


(١) لم يقع ذلك في باقي الكتاب. وانظر ما كتبناه في المقدمة.
(٢) أخرجه الخطيب في «الزهد» (١١٤ - منتخبه) عن يحيى بن معاذ، بلفظ: «لولا أن العفو من أحب الأشياء إليه ... ». وانظر: «صفة الصفوة» (٤/ ٩٢). وهو بلفظ التوبة في مصنفات ابن تيمية، وعنه المصنف. انظر: «منهاج السنة» (٢/ ٤٣٢، ٦/ ٢١٠)، و «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٢٩٤)، و «جامع المسائل» (٤/ ٤١)، و «طريق الهجرتين» (٥١٠)، و «مدارج السالكين» (١/ ٢٩٧)، و «شفاء العليل» (٦١٧).