للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ومنها: تعريفُه سبحانه عبدَه سَعة حِلْمه وكرمه في سَتره عليه، وأنه لو شاء لعاجَله على الذَّنب ولهَتَكه بين عباده، فلم يَطِب له معهم عيشٌ أبدًا، ولكن جلَّله بستره، وغشَّاه بحِلْمه، وقيَّض له من يحفظُه وهو في حالته تلك، بل كان شاهدًا وهو يبارزُه (١) بالمعاصي والآثام، وهو مع ذلك يحرُسه بعينه التي لا تنام.

وقد جاء في بعض الآثار: «يقولُ الله تعالى: أنا الجوادُ الكريم، من أعظمُ مني جودًا وكرمًا؟! عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم في منازلِهم» (٢).

فلولا حِلمُه ومغفرتُه (٣) لما استقرَّت السَّمواتُ والأرض في أماكنهما.

وتأمَّل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: ٤١]، هذه الآيةُ تقتضي الحِلمَ والمغفرة، فلولا حِلمُه ومغفرتُه لزالتا عن أماكنهما.

ومن هذا قولُه تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: ٩٠ - ٩١].


(١) «وهو» ليست في (د، ت، ق).
(٢) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٩٣) عن الفضيل بن عياضٍ في سياقٍ طويل.
وهو في «مسند الفردوس» للديلمي (٥/ ٢٤٧) مرفوعًا من حديث إبراهيم بن هدبة عن أنس، وإسناده تالف، ابن هدبة كذاب. انظر: «الميزان» (١/ ٧١).
(٣) (ق): «حلمه وكرمه ومغفرته».