للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يُؤذ نبيٌّ ما أُوذِي، ولم يَحْتَمِل في الله ما احتَمَله (١)، ولم يُعْط نبيٌّ ما أُعطِيَه، فرفَع الله له ذِكْرَه، وقَرَن اسمه باسمه، وجعله سيِّد النَّاس كلِّهم، وجعله أقربَ الخلق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاهًا، وأسمَعهم عنده شفاعة.

وكانت له تلك المحنُ والابتلاءُ عينَ كرامته، وهي مما زاده الله بها شرفًا وفضلًا، وساقه بها إلى أعلى المقامات.

وهذا حالُ ورثته من بعده الأمثل فالأمثل، كلٌّ له نصيبٌ من المحنة، يسوقُه الله به إلى كماله بحسب متابعته له، ومن لا نصيب له من ذلك فحظُّه من الدُّنيا (٢) حظُّ من خُلِق لها وخُلِقت له وجُعِل خَلاقُه ونصيبُه فيها، فهو يأكلُ منها رغَدًا، ويتمتَّعُ فيها حتى يناله نصيبُه من الكتاب، يُمْتَحَنُ أولياءُ الله وهو في دَعَةٍ وخَفْض عَيْش (٣)، ويخافون وهو آمِن، ويحزنون وهو في أهله مسرور، له شأنٌ ولهم شأن، وهو في وادٍ وهم في واد، همُّه ما يُقِيمُ به جاهَه، ويَسْلَمُ به مالُه، وتُسْمَعُ به كلمتُه، لَزِم من ذلك ما لَزِم، ورَضِي من رَضِي وسَخِط من سَخِط، وهمُّهم إقامةُ دين الله، وإعلاء كلمته، وإعزاز أوليائه، وأن تكون الدَّعوةُ له وحده، فيكون هو وحده المعبود لا غيره، ورسولُه المطاعَ لا سواه.

فللَّه سبحانه من الحِكَم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصرُ عقولُ العالمين عن معرفته، وهل وَصَل من وَصَل إلى الغايات


(١) (ح): «فلم يؤذ نبي ما أوذي ولم يحتمله».
(٢) (ت، د، ق): «فحظه في الدنيا».
(٣) (ت): «في دعة وحفظ وخفض عيش».