للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة، وسَعة الرحمة والبرِّ والإحسان، والإحاطة بالغيب والشَّهادة، والعلم بالمباداء والعواقب، وأنها مِنْ أعظم نِعَمه التي أنعَم بها على عباده.

فما أنعَم عليهم بنعمةٍ أجلَّ من أن هداهم لها؛ وجعلهم من أهلها، وممَّن ارتضاها لهم وارتضاهم لها، فلهذا امتنَّ على عباده بأن هداهم لها؛ قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: ١٦٤].

وقال معرِّفًا لعباده ومذكِّرًا لهم عظيمَ نعمته عليهم بها، مُسْتَدعيًا منهم شُكرَهم (١) على أن جَعَلهم من أهلها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].

وتأمَّل كيف وَصَف الدِّين الذي اختاره لهم بالكمال، والنِّعمةَ التي أسبَغها عليهم بالتَّمام، إيذانًا في الدِّين بأنه لا نقصَ فيه ولا عيبَ ولا خلل ولا شيءَ خارجًا عن الحكمة بوجهٍ، بل هو الكاملُ في حُسْنه وجلالته، ووَصَف النِّعمة بالتَّمام إيذانًا بدوامها واتصالها، وأنه لا يَسْلُبهم إياها بعد إذ أعطاهموها (٢)، بل يُتِمُّها لهم بالدَّوام في هذه الدَّار وفي دار القرار (٣).

وتأمَّل حُسْنَ اقتران التَّمام بالنِّعمة، وحُسْنَ اقتران الكمال بالدِّين، وإضافةَ الدِّين إليهم إذ هم القائمون به المقيمون له، وإضافةَ النِّعمة إليه إذ هو


(١) (ن): «شكرها».
(٢) (ح): «أعطاهاهم إياه». وفي (ن): «أعطاها».
(٣) (ق، ت، د): «دار البقاء».