للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهل تقتضي الحكمةُ أن يخبر الله تعالى كلَّ عبد من عباده (١) بكلِّ ما يفعلُه، ويُوقِفهم على وجه تدبيره في كلِّ ما يريدُه، وعلى حكمته في صغير ما ذَرَأ وبَرَأ من خليقته؟! وهل في قُوى المخلوق ذلك؟! بل طوى سبحانه كثيرًا من صنعه وأمره عن جميع خلقه، فلم يُطْلِع على ذلك مَلَكًا مقرَّبًا ولا نبيًّا مرسلًا.

والمدبِّر الحكيمُ من البشر إذا ثبتت حكمتُه وابتغاؤه الصَّلاحَ لمن تحت تدبيره وسياسته كفى في ذلك تتبُّعُ مقاصده فيمن يولِّي ويَعْزِل، وفي جنس ما يأمرُ به وينهى عنه، وفي تدبيره لرعيَّته (٢) وسياسته لهم، دون تفاصيل كلِّ فعلٍ من أفعاله (٣)، اللهمَّ إلا أن يبلُغ الأمرُ في ذلك مبلغًا لا يوجدُ لفعله منفذٌ ومَسَاغٌ في المصلحة أصلًا، فحينئذٍ يخرجُ بذلك عن استحقاق اسم الحكيم (٤).

ولن يجد أحدٌ في خَلْق الله ولا في أمره واحدًا (٥) من هذا الضرب، بل غايةُ ما يخرجه تفتيشُ المتعنِّت (٦) أمورٌ يعجزُ العقلُ عن معرفة وجوهها وحكمتها، وأمَّا أن ينفي ذلك عنها فمعاذ الله؛ إلا أن يكون ما أخرجه كذبًا على الخلق والأمر فلم يخلق الله ذلك ولا شرعه.


(١) (ح، ن): «أن يخبر الله تعالى عباده».
(٢) (ح، ن): «إلى تدبيره لرعيته».
(٣) «محاسن الشريعة»: «كفى ذلك عن تتبع مقاصده بمن يولي ويعزل، أو فيما يدبر به نفسه أو أهله أو رعيته».
(٤) «محاسن الشريعة» (٢٠).
(٥) (د، ت، ق، ن): «ولا واحدا».
(٦) (ق، د): «نفس المتعنت». (ت): «تعيس المبعث»!.