للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن يقال: يأمرُهم بما يأمرُهم به، وينهاهم عمَّا ينهاهم عنه؟! وهذا كلامٌ يُنَزَّهُ عنه (١) آحادُ العقلاء فضلًا عن كلام ربِّ العالمين.

وهل دلَّت الآيةُ إلا على أنه أمرهم بالمعروف الذي تَعْرِفُه العقول، وتُقِرُّ بحُسْنه الفطر، فأمَرَهم بما هو معروفٌ في نفسه عند كلِّ عقلٍ (٢) سليم، ونهاهم عمَّا هو منكرٌ في الطِّباع والعقول، بحيث إذا عُرِض على العقول السَّليمة أنكرته أشدَّ الإنكار، كما أنَّ ما أمَرَ به إذا عُرِض على العقل السَّليم قَبِله أعظمَ قبولٍ وشَهِد بحُسْنه. كما قال بعض الأعراب، وقد سئل: بم عرفتَ أنه رسولُ الله؟، فقال: ما أمَرَ بشيءٍ فقال العقلُ: ليته ينهى عنه، ولا نهى عن شيءٍ فقال العقلُ: ليته أمَرَ به (٣).

فهذا الأعرابيُّ أعرفُ بالله ودينه ورسوله من هؤلاء، وقد أقرَّ عقلُه (٤) وفطرتُه بحُسْن ما أمَرَ به، وقُبْح ما نهى عنه، حتى كان في حقِّه من أعلام نبوَّته وشواهد رسالته، ولو كان جهةُ كونه معروفًا ومنكرًا هو الأمرَ المجرَّد لم يكن فيه دليل، بل كان يُطلَبُ له الدَّليلُ من غيره.


(١) (ت): «تنزه عن».
(٢) (ت): «كل ذي عقل».
(٣) قال العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه للمنذر بن ساوى ملك البحرين: «هذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - الأميُّ الذي والله لا يستطيع ذو عقلٍ أن يقول: ليت ما أمر به نهى عنه، أو ما نهى عنه أمر به، أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه». انظر: «الروض الأنف» (٤/ ٣٩١)، و «الاكتفاء» للكلاعي (٢/ ٣١٦)، و «الجواب الصحيح» (١/ ٣٣٠). وأصلُ خبر بعث العلاء إلى البحرين مشهورٌ في دواوين السنَّة.
(٤) (ت): «دينه وعقله».