عليهم في إنكارهم الحُسْنَ والقُبْحَ العقليَّين جملةً، وجَعْلِهم انتفاءَ العذاب قبل البعثة دليلًا على انتفاء القُبْح واستواء الأفعال في أنفسها، وأحسنوا في ردِّ هذا عليهم.
فكلُّ طائفةٍ استطالت على الأخرى بسبب إنكارها الصَّواب.
وأمَّا من سَلَك هذا المسلكَ الذي سلكناه، فلا سبيل لواحدةٍ من الطَّائفتين إلى ردِّ قوله، ولا الظَّفر عليه أصلًا؛ فإنه موافقٌ لكلِّ طائفةٍ على ما معها من الحقِّ، مقرِّرٌ له، مخالفٌ لها في باطلها، منكرٌ له.
وليس مع النُّفاة قطُّ دليلٌ واحدٌ صحيحٌ على نفي الحُسْن والقُبح العقليَّين، وأنَّ الأفعال المتضادَّة كلَّها في نفس الأمر سواءٌ لا فرق بينها إلا بالأمر والنهي، وكلُّ أدلَّتهم على هذا باطلةٌ كما سنذكرها ونذكرُ بطلانها إن شاء الله تعالى.
وليس مع المعتزلة دليلٌ واحدٌ صحيحٌ قطُّ يدلُّ على إثبات العذاب على مجرَّد القُبح العقليِّ قبل بعثة الرُّسل، وأدلَّتُهم على ذلك كلُّها باطلةٌ كما سنذكرُها ونذكرُ بطلانها إن شاء الله تعالى.
* ومما يدلُّ على ذلك أيضًا: أنه سبحانه يحتجُّ على فساد مذهب من عبد غيرَه بالأدلَّة العقلية التي تقبلُها الفطرُ والعقول، ويجعلُ ما ركَّبه في العقول من حُسْن عبادة الخالق وحده وقُبْح عبادة غيره مِنْ أعظم الأدلَّة على ذلك، وهذا في القرآن أكثر من أن يُذْكَرَ ههنا، ولولا أنه مستقرٌّ في العقول والفطر حُسْنُ عبادته وشكره، وقُبح عبادة غيره وتركُ شكره= لما احتَجَّ عليهم بذلك أصلًا، وإنما كانت الحجَّةُ في مجرَّد الأمر.