للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وقال تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٦٩ - ٧١]، فأخبَر سبحانه أنَّ الحقَّ لو اتَّبع أهواء العباد فجاء شرعُ الله ودينُه بأهوائهم لفسدت السَّمواتُ والأرض ومن فيهنَّ.

ومعلومٌ أنَّ عند النُّفاة يجوزُ أن يَرِد شرعُ الله ودينُه بأهواء العباد، وأنه لا فرق في نفس الأمر بين ما وَرَد به وبين ما تقتضيه أهواؤهم إلا مجرَّدُ الأمر، وأنه لو وَرَد بأهوائهم جاز وكان تعبُّدًا ودينًا. وهذه مخالفةٌ صريحةٌ للقرآن، وأنه من المحال أن يتَّبع الحقُّ أهواءهم، وأنَّ أهواءهم مشتملةٌ على قُبحٍ عظيمٍ لو وَرَد الشرعُ به لفَسَد العالَمُ أعلاه وأسفلُه وما بين ذلك.

ومعلومٌ أنَّ هذا الفساد إنما يكونُ لقُبح خلاف ما شرعه الله وأمر به، ومنافاته لصلاح العالم عُلوِيِّه وسُفلِيِّه، وأنَّ خرابَ العالم وفساده لازمٌ لحصوله ولشرعه، وأنَّ كمال حكمة الله وكمال علمه ورحمته وربوبيَّته يأبى ذلك ويمنعُ منه (١)، ومن يقول: الجميعُ في نفس الأمر سواء، يجوِّزُ ورودَ التعبُّد بكلِّ شيء، سواء كان مقتضى (٢) أهوائهم أو خلافها.

* ومثلُ هذا قولُه تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: ٢٢]، أي: لو كان في السَّموات والأرض آلهةٌ تُعْبَدُ غيرُ الله لفسَدتا وبَطَلتا، ولم يقل: أربابٌ، بل قال: آلهة؛ والإلهُ هو المعبودُ


(١) (ت، ق): «تأبى ذلك وتمنع منه».
(٢) (ق، ت): «يقتضي». والحرف الأول مهمل في (د). والمثبت أقوم.