للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تحمّل أحاديثهم إنْ كان ما تحمّلوه مذاكرة - إلا بعد إعلامهم - قال الخطيب: «إذا أورد المحدّث في المذاكرة شيئاً أراد السامع له أنْ يدونه عنه، فينبغي له إعلام المحدّث ذلك؛ ليتحرى في تأدية لفظه وحصر معناه» (١)، وكره جماعة من المحدّثين التحمل عنهم حال المذاكرة، نقل الخطيب عن عبد الرحمان بن مهدي، قال: «حرام عليكم أنْ تأخذوا عني في المذاكرة حديثاً؛ لأني إذا ذاكرت، تساهلت في الحديث» (٢)، وقال ابن المبارك وتابعه أبو زرعة وإبراهيم بن موسى على قوله: «لا تحملوا عني في المذاكرة شيئاً» (٣).

١٦ - قِصَر الصحبة:

قلة الملازمة للشيخ تصحبها غالباً قلة الممارسة لحديثه، وهذه في الأصل ليست علة تعلّ بها الأحاديث، لكن العلماء أعطوها أهمية كبيرة؛ لأنَّه يُستفاد من ذلك في ترجيح رواية على أخرى عند الاختلاف؛ لأنَّ من طالتْ صحبته لشيخه، وكثرت ممارسته لحديثه، يكون أتقن لحديث شيخه، وتترجح روايته على من قصرت صحبته لهذا الشيخ.

وقد يقدمون الأقل حفظاً في شيخ ما، على حافظ كبير؛ لأنَّه لازمه طويلاً، فقدموا مثلاً رواية حماد بن سلمة في ثابت البناني على غيره. وثابت روى عنه كل من شعبة وحماد بن زيد ومعمر. وحماد بن سلمة دون هؤلاء، ومع ذلك قُدم عليهم في ثابت؛ لطول ملازمته له (٤). وضَعَّفوا رواية الحافظ الكبير في شيخ ما؛ لقلة ملازمته له.

وهذا هو الغالب، لكن هناك من تطول صحبته لشيخ، لكن يُقصِّر في ضبط حديثه ومدارسته، وإحكام أصله عنه فيضعف فيه (٥).


(١) " الجامع لأخلاق الراوي " (١١١٨).
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي " (١١٢٠).
(٣) " الجامع لأخلاق الراوي " (١١٢١).
(٤) انظر: " تهذيب الكمال " ٢/ ٢٧٨ - ٢٧٩ (١٤٦٦).
(٥) انظر: " العلة وأجناسها ": ٢٣٥، و " لمحات موجزة ": ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>