للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّ من أوجب الواجب على المتأخرين أنْ يحاولوا فهم كلام المتقدمين في الإعلال، ومع هذا ليس كل أحد منا يستطيع أنْ يعلل أحكامهم، ويفهم سبب ما ذهبوا إليه، إلاَّ من رزقه الله فهماً واسعاً واطلاعاً كبيراً، واعتاد على معاودة النظر في كلام الأئمة المجتهدين من أهل الحديث، ثم أمعن النظر في كتب العلل والرجال والتخريج، مع ممارسته النقد والإعلال.

ولما كانَ الأمر كذلك، وجب تقديم منهج المتقدمين على المتأخرين. ولا سيما عندَ اجتماع كبرائهم على أمر في التصحيح والتضعيف والتجريح. وأقوال المتقدمين ثمينة غالية لا ينبغي التفريط بها وإهمالها بحجة الاكتفاء باتباع القواعد التي في كتب المصطلح.

ورُبّ سائلٍ يسأل: متى يسعنا مخالفة المتقدمين؟

وجوابه: أننا يحق لنا ويسعنا أنْ نخالف المتقدمين إذا اختلفوا، وتباينت وجهات نظرهم، فعندها ننظر إلى الأدلة والأسباب والقرائن والمرجحات، ونعمل الرأي والاجتهاد نحو طريقتهم بجنس مرجحاتهم وقرائنهم وقواعدهم التي ساروا عليها.

هذا مع إيماننا العميق بأنَّ التصحيح والتضعيف من الأمور الاجتهادية التي تباينت فيها القدرات العلمية، والمكانة التي يتمثل بها الناقد، مع المقدرات الذهنية وظهور المرجحات والقرائن لكل واحد.

أخيراً أقول: إنَّ المتقدمين هم الأصل وعليهم المعوّل، وإنَّ المتأخرين عالة عليهم في هذا العلم.

[٢ - المشارقة والمغاربة]

ذكرتُ في أئمة علم علل الحديث كثيراً ليسوا بمشارقة، بل هم من الأندلسيين والمغاربة، فقد أنجبت لنا الأندلس يوم كانت حاضرة الإسلام جهابذة من المحدّثين ممن صنّفوا في هذا الباب (١).


(١) انظر: " جهود المحدّثين ": ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>