للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع السادس من العلل المشتركة:

الشذوذ

إنَّ الثقة قد يخطئ، وهذا من فطرة الله للإنسان، فإنْ قل خطأه فإنّ ذلك لا يخرجه من دائرة الضبط والإتقان لكثرة الصواب. ثم إنَّ هذه الفطرة هي التي جعلت الرواة يتفاوتون في الضبط والإتقان، قال الله تعالى: ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ (١). وهذه التفاوتات قد أوجدت اختلافاً بين الرواة، حتى صار وجود الاختلاف أمرٌ طبعيٌّ. ومن تلك الاختلافات أن يخالف الثقة غيره من الثقات في الحفظ أو العدد، أي: بأن يخالف الثقة من هو أوثق منه في الحفظ والإتقان (٢)، أو عدداً كأن يخالف ثقة اثنين مساويين له من الثقات فأكثر. وهذا ما أتناوله في هذا النوع من العلل، وهو ما يسمى بالشذوذ، على تفصيل.

تعريف الشاذ لغة واصطلاحاً:

الشاذ: المنفرد، وشذ الرجل: إذا انفرد عن أصحابه، وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ، ومنه شاذ من القياس، وهذا مما يشذ عن الأصول، وكلمة شاذة … (٣).

أما في الاصطلاح فالشذوذ: مخالفة الثقة للأوثق منه حفظاً أو عدداً،


(١) الأنعام: ١٦٥.
(٢) نعم، إنَّ مدار الترجيح بين راويين يكون بمزيد الحفظ والضبط والإتقان، وليس بمزيد العدالة؛ لأنَّ تفاوت الرواة في ضبط الأحاديث سببه الحفظ أو عدمه، أما العدالة فهي لما توجد لا تكون سبباً في التفاوت بين مرويات الثقات، أما الحفظ فنعم.
(٣) ينظر: "الصحاح"، و "تاج العروس" مادة (شذ)، وقارن بكلام البقاعي في " النكت الوفية " ١/ ٤٥٥ بتحقيقي، ومن خلال ذلك تدرك وجه الترابط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي؛ وما ذهب إليه المتأخرون واستقر عليه الاصطلاح هو المختار.

<<  <  ج: ص:  >  >>