للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتراهم ينصون على تفرد ذلك الراوي الثقة أو المقبول في الجملة، وإنْ شاركه في روايته لذلك الحديث بعض الهلكى أو المخطئين من الرواة.

أما المتأخرون: فالأصل عندهم في التنصيص على التفرد هو الإحصاء وذكر الغرائب، وبيان انتفاء المتابعة تيسيرًا على الباحث المستقرئ، والأصل عندهم أيضًا أنَّ التفرد لا يكون علة إلا إذا كان المتفرد ضعيفًا، أو مخالفًا لمن هو أوثق منه، مخالفةً لا يمكن معها الجمع بين الروايتين (١).

أما الحكم على الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَط من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف، بَلْ تتفاوت أحكامهما، ويتم تحديدهما وفهمهما عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه؛ وذلك لأنَّ الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث، أو لعدم توفر الوسائل التي تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه - حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم -، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات - حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة - ما ليس بالقليل، فقد قال ابن القيم: "قيل: التفرد نوعان: تفرد لم يخالف فيه من تفرد به … وتفرد خولف فيه المتفرد .. " (٢).

[علاقة الغريب بالفرد]

لا شك أنَّ بين الغريب والفرد علاقة وثيقة، تخفي معنى واحدًا، فما من مصنِّف صنّف في علم الحديث وبث فيه ما جاش في صدره عن الغرائب إلا وتجده خلّله بكلام عن التفرد، والعكس كذلك، وهذا لا ينحصر في المصنفات، وإنَّما يمتد إلى أقوال النقاد، وبهذا يتبين عمق الروابط بين التفرد والغرابة، وعلى الرغم مما تقدم فإنَّ المتأخرين أدركوا نوع الاختلاف بين المصطلحين، قال الحافظ ابن حجر: "فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد


(١) " لسان المحدثين " (التفرد).
(٢) " تهذيب سنن أبي داود " ١/ ٢٤ - ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>