للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسائل في الجهالة]

المسألة الأولى: هل رواية الثقة عن غيره توثيق له؟ ذهب بعض أهل العلم إلى اعتبار رواية الثقة عن غيره توثيقاً له، واحتجوا بأنَّ العدل لو كان يعلم فيه جرحاً لذكره حتى لا يقع الناس في لبس. وقد أجاب الخطيب عن مثل هذا فقال: «وهذا باطل؛ لأنَّه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته، فلا تكون روايته عنه تعديلاً ولا خبراً عن صدقه، بل يروي عنه لأغراض يقصدها، كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم، مع علمهم بأنَّها غير مرضية، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب في الرواية، وبفساد الآراء والمذاهب» (١)، وقال أبو الوليد الباجي: «ذهب جمهور أصحاب الحديث إلى أنَّ الراوي إذا روى عنه اثنان فصاعداً انتفت عنه الجهالة، وهذا ليس بصحيح عند المحققين من أصحاب الأصول؛ لأنَّه قد يروي الجماعة عن الواحد لا يعرفون حاله ولا يخبرون شيئاً من أمره، ويحدثون بما رووا عنه على الجهالة إذ لم يعرفوا عدالته» (٢)، وقال ابن رجب الحنبلي: «إنَّ رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه، فإنَّ كثيراً من الثقات رووا عن الضعفاء، كسفيان الثوري وشعبة وغيرهما، وكان شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن الثقات، لم أحدثكم إلا عن نفر يسير» (٣).

المسألة الثانية: بماذا ترتفع الجهالة عن الراوي؟ هناك أمور ترتفع بها الجهالة: وأقل ما ترتفع به أنْ يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين


(١) " الكفاية ": ٨٩.
(٢) " إرشاد الفحول ": ٢١٠، وتعقبه الشوكاني فقال: «وفيه نظر؛ لأنَّهم إنَّما يقولون بارتفاع جهالة العين برواية الاثنين فصاعداً عنه لا بارتفاع جهالة الحال .. ».
(٣) " شرح علل الترمذي " ١/ ٧٩ ط. عتر و ١/ ٣٧٦ ط. همام.

<<  <  ج: ص:  >  >>